وأخيرا أختم الحديث عن فنون المذاكرة المثمرة بهذه الأبيات الرائعة للشافعي:واطلب بجدك كل علمٍ نافعٍ**واحرص عليه غاية الإمكانِقيد وذاكر واستفد واكتب ولا**تكسل عن التكرار كل أوانِلو كنت تعلم ما النتائج لم تنم**إلا كنوم الذئب بين الضانِأتقن إذا رمتَ شغلاً إنه**لا خيرَ في عملٍ بلا إتقانِلا تتركن أمراً يحل بيومه**لغدٍ فإن غداً لشغلٍ ثانِإنّ الأهمَ على المهمِ مقدمٌ**راعِ التدرجَ عند أهل الشانِ
يقول ابن تيمية: إنها لتعجم (تصعب) عليّ المسألة فأستغفر الله ألف مرة أو أقل فيفتحها الله عليّ!
فيا من صممّ على الذهاب غداً إلى مدرسته..أو جامعته..خذ زادك من تقوى الله..وتب إلى الله توبةً نصوحاً..استغفره إنه كان غفاراً..وراجع حساباتك معه..وأكثر من الابتهال لعلّ الله يفتح عليك..(د. عائض القرني/ مجتمع المُثل):!
وأقبح نصرٍ نصرُ الأغبياء بلا فهمٍ ** سوى فهم كم باعوا وكم كسبوا
فإليكِ أهدي طالبتي العزيزة بعض المهارات والنصائح للمذاكرة المؤدية للنجاح والتفوق..
اسمعْ هُديتَ نصائحي واعملْ بها ** واحرصْ عليها غاية الإمكانِ
اسمعْ للفظةِ "سابقوا" أو "سارعوا" ** جاءت بنص الوحي في القرآنِ
ويقول أحمد: بادروا بل فاغتنم ** خمساً, رواه أحمد الشيباني
والمؤمنُ الشهمُ القويُ أحبُ من ** عبدٍ ضعيفٍ خائر الأركان
احرصْ على النفع العظيم, أتى به ** ابنُ الحسين العالم الرباني
وتعوّذ المختار من كسل ومن ** عجزٍ, رواه عندنا الشيخانِ
هذا رسولُ الله قامَ لربه ** فتفطرت لقيامِه القدمانِ
وهو الذي ضحّى بكل حياته ** من أجل دين الواحد الديّانِ
حتى حباهُ اللهُ أعظمَ نصره ** فاقَ الخليقة إنسَهم والجانِ
شعر عائض القرني
العِـلْم
الكلُ في جلدٍ على تحصيلهِ ** متدرعاً بالصبر والسلوانِ
فاطرح أماني اللهو واصعد واثباً ** للمجدِ واتركْ صحبةَ الولهانِ
شمّر وواصل للمعالي دائباً ** واهجر فديت وساوس الشيطانِ
واحفظ زمانك واحترس من فوْته ** واذكر إذا ما صرت في الأكفانِ
طقوس للدراسة
- ينبغي أن يكون المكان خالياً من الملهيات التي تعيقك أو تقطع عليكِ تركيزك أثناء الدراسة.
ولابد أن يكون بعيدا عن الضوضاء, وبه إضاءة جيدة.
-جهزي كل ما قد تحتاجين إليه من أدوات أساسية كالأقلام والأوراق والملفات واجعليها في هذا المكان قريبة,
فكثير من الوقت يضيع في البحث عن الأساسيات مما يسبب إزعاجاً وتوتراً..
-ابدئي باسم الله الرحمن الرحيم, واحذري الإيحاءات السلبية واستبدليها بالإيحاءات الإيجابية, كالتفكير الدائم بالنجاح والتلفظ بكلمات مشجعة لأنها تبعث في النفس الحماس والتحدي..
-تعلّمي فن صناعة جداول المذاكرة واستعيني لتنفيذها بأهلك أو إحدى صديقاتك, مع مراعاة تخصيص وقت للصلاة في مواعيدها
فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه, وطاعة الله سببٌ في نيل رضاه والتوفيق والتيسير..
بالإضافة إلى أن (الصلاة هي أعظم طاقة مولدة للنشاط عُرفت حتى الآن, فلماذا لا يُنتفع بها؟!) ألكسيس كاريل
-اعتمدي على تلخيص واختزال المواد حتى يسهل حفظ النصوص المهمة..وقد تفيدك الخرائط الذهنية في ذلك..
-استخدمي قاعدة الربط وهي تعتبر من أشهر الطرق المعينة على التذكر السريع, مثال على ذلك: خريطة إيطاليا = كعب عالي
- احذري رفقاء السوء والكسالى:
لا تصحبْ الكسلانَ في حالاته ** كم صالحٌ لفسادِ آخر يفسدُ
عدْوَى البليدِ إلى البليدِ سريعةٌ ** كالجمرِ يوضعُ في الرماد فيجمدُ
الجو النفسي للدراسة
فيما يلي بعض الإرشادات النفسية والتي قد تساعدكِ على فهم ما تقرئين, وهي:
اجعلي الدافع ينبعث من ذاتك حتى يكون أداؤك أكثر إبداعاً..
حدّثي نفسك أنكِ لن تجعلي أحد يعوقك عن المضي في مشروعك هذا..
حاولي دائماً أن تحدثي نفسكِ عن المادة التي اخترتِها للدراسة في الوقت الحالي وأنكِ سوف تنهي الجزء المحدد في الوقت المحدد..
احرصي دائماً على الدراسة بشوق ومحبة, فدراسة الراغب المحب ليست كدراسة المُكره المضطر..
لا تذاكري وأنتِ في حالة عصبية منفعلة, أو تشعرين بالضغط النفسي والإكراه, فإن عملية الاستيعاب تعتمد بدرجة كبيرة على مقدار الحضور الذهني.
وقد حذّر أسلافنا من القراءة في حالات انشغال البال, فيقول الكناني:
ولا يدرس في وقت جوعه أو عطشه أو همه أو غضبه أو نعاسه أو قلقه,
ولا في حال برده المؤلم وحرّه المزعج فربما أجاب أو أفتى بغير الصواب,
ولأنه لا يتمكن مع ذلك من استيفاء النظر, فالقراءة نشاط ذهني يشترط فيها هدوء الذهن واستقراره حتى يفهم ما يقرأ.
التركيز, هو لب القراءة وجوهرها الأساسي
دراسة بدون تركيز ضياع للوقت والجهد, فمستوى تحصيلك واستيعابك يعتمد على درجة تركيزك,
والتركيز عملية تحكم وانضباط وترويض للنفس حتى يكون لدى الإنسان القدرة على الاستغراق في عملية الدراسة بل والاستمتاع بها أيضاً!,
فهو مهارة يتعلمها كما يتعلم أي مهارة أخرى.
ونحن قد نستطيع القراءة لفترة طويلة, ولكننا قد لا نستطيع أن نملك المتابعة الذهنية والتركيز فيما نقرأ, فما سبب ذلك؟
لا شك أن هناك معوقات تصد الإنسان عن مواصلة التركيز , ومن تلك المعوقات التي يجب الحذر منها:
تشتت الذهن – الاسترسال مع الأفكار الجانبية – الشرود والخيالات الوهمية
ولقوة التركيز لا تدعي الأفكار العشوائية تسيطر على مسار تفكيرك وتقودك حيثما شاءت, فلا تنجذبي مع كل فكرة تراودك, واهتمي بما في يديكِ.
وإن شعرتِ أنكِ لن تستطيعي التغلب على شرودك الذهني, فحاولي أن تغيري مكانك,
أو إشغال نفسك بشيء آخر من الممكن أن يعيد إليكِ النشاط لتواصلي بعده الدراسة بحماس.
وكذلك مما يعوق عملية التركيز عدم الثبات على مادة واحدة والانتقال بين المواد في وقت قصير,
فلا تكادي تنجزين فصلا في أي مادة, وهذا داء علاجه العزم والإصرار على إتمام ما بدأتِ به.
وكذلك من عوائق التركيز الضجر والملل, وهذا يلزمه نفساً صابرة متطلعة إلى هدف محدد تطمح إلى تحقيقه.
جددي همتك وعزيمتك بقراءة سيْر أولي الإنجازات الضخمة..اجلسي مع ذوي الهمم العالية..وضعي أهدافك نصب عينيك , ولو أن تكتبي هدفك على المكتب وجدار الغرفة أمامك..
قد تكوني بحاجة إلى قدر من الانضباط لتتغلبي على الإتجاه الطبعي نحو الكسل أو الملل أو السآمة والإحباط أو الرغبة في عمل شيء آخر,
فمما تدركه العقول السليمة أن الإنجاز والنجاح يسبقه آلام ومصاعب تتطلب صبر وتحمل ومشقة وتحمل وهمة عالية ,
فلا بد من إجبار النفس وترويضها وتربيتها وبذل جهد شاق لتتغلبي على مشاعرك ورغباتك حتى يكون التركيز والاستغراق والانهماك في القراءة والدراسة جزء أساسي من شخصيتك
بل ربما يُصبح شيئاً ممتعاً تسعين إليه بشوق!
استخدمي جميع حواسك
يؤكد الخبراء أنه كلما استخدم الطالب أكبر عدد ممكن من حواسه, كلما زادت نسبة التركيز لديه.
وتعد العين أهم حاسة, لكونها الناقل الأول للحروف المكتوبة.
كما أن التلخيص وكتابة المذكرات تساعدك على: التركيز – الفهم – التذكر – إثارة الكثير من الأسئلة.
ويُفضّل في المذكرات أن تكون بعد قراءة كل فصل كاملاً, حتى تكوني قادرة على الربط بين التفاصيل والأحداث الهامة.
واعلمي أن الإنسان يتذكر بنسبة 15% مما يقرأ, 20% مما يسمع, 30% مما يراه ويسمعه في آن واحد, 80% مما يقوله, 90% مما يقوله ويفعله في وقتٍ واحد.
ناقشي الكتاب
وضع العلامات والإشارات على الكتاب تعتبر أسلوب فعّال لعملية الاستيعاب, وإن كان هناك من يرفض هذه الطريقة ولكنها بنظري مهمة جداً
كما أنها تدل على مقدار التفاعل وإيجاد نوع من النقاش البنّاء مع ما نقرأ - كما يوصى الخبراء بذلك..
وتوجد وسائل كثيرة يمكن استخدامها لعملية الحوار مع الكتاب:
وأشهر تلك الطرق وأكثرها استعمالاً هي وضع خطاً تحت أو فوق الجمل الرئيسية,
أو وضع خطاً لعدة فقرات في هامش الفقرات المهمة, وكذلك وضع خطاً أحمراً تحت الجمل المهمة,
أو وضع علامة استفهــ ؟ ــام لما استشكل عليك (للعودة إليه لاحقاً أو السؤال عنه),
وضع نجمة أو سهماً بجانب الفقرات التي تحمل فكرة مهمة وتتطلب دراسة أكثر,
ووضع دائرة للدلالة على أن هذه الفقرة لها علاقة بفقرات سابقة أو لاحقة, أو طوي الصفحة,
والبعض يستخدم الورقة الفارغة الموجودة في آخر الكتاب لكتابة ملخصات صغيرة أو عناوين عن المواضيع المهمة وبجوارها أرقام الصفحات التي وردت في الكتاب.
وقد رأيت أثناء دراستي بعض الطالبات يستخدمن قصاصات من الورق من النوع الذي يحتوي على مادة لاصقة على أحد الحواف,
ويقمن بكتابة بعض الملاحظات أو الأسئلة عليها ثم يلصقنها أعلى الصفحة,
والبعض الآخر كان يستخدم الأقلام الفسفورية الملونة لتظليل الفقرات المهمة أو العناوين
(طبعا يجب مراعاة اختيار لون هادئ لا يزعج العين وأيضا لون فاتح بحيث لا يختفي الكلام تماما).
أنا عن نفسي استخدمت أكثر من طريقة وبشكل عام كنت أفضّل تقسيم الموضوع إلى عناوين فرعية أضعها بنفسي وأيضا كنت أقوم بتقسيم الفقرات إلى نقاط وأقوم بترقيمها (3,2,1...),
وأضع نجمة مقابل الفقرة المهمة وسهماً مقابل الفقرة الغير مفهومة لدي, وأحيانا كنت أضع خطاً تحت الفقرة المهمة وخطين تحت الكلمة المهمة كالتعريف والمصطلحات,
وكنت أعتمد على كتابة ملخصات كاملة للموضوع بعد الانتهاء منه في دفتر خاص.
وبغض النظر عن الطريقة التي تجدينها مناسبة لتدوين ملاحظاتك ووضع علاماتك الخاصة في الكتاب,
فيجب ألا تكون لمجرد تزيين الكتاب! وأن تتسبب في ضياع وقتك وإشغالك عن الهدف الأساسي منها؛
وهو تيسير الفهم والاستيعاب وتوفير الوقت وسهولة الوصول للمعلومة فيما بعد.
فترات الراحة
الناس يختلفون فيما بينهم في مدة التركيز, ولكن بشكل عام فإن الدراسات أثبتت أن الإنسان الطبيعي تستمر فترة التركيز لديه لمدة ساعة ونصف إلى ساعتين.
لذا يجب على الإنسان أخذ قسطاً كافياً من الراحة قبل معاودة الدراسة.
وقد تكون هذه الفترة لإعداد كوب من الشاي
أو الجلوس مع العائلة أو ربما لمجرد النظر عبر النافذة إلى الشارع
ثم العودة مجدداً لمقعد الدراسة بعد هذا الفاصل القصير..
تطوير الذاكرة والاستدعاء
لقد أثبت علماء النفس أن الاحتفاظ بالمعلومات يقل بمرور الوقت, خصوصاً إذا لم تُستخدم المعلومات أو تُراجع..
لذا, فيجب أن تحرصي على مراجعة معلوماتك بين فترة وأخرى وأبسط طريقة لتحقيق ذلك هي
عن طريق حل المسائل والتمارين أو مناقشة المادة مع إحدى زميلاتك..
وأحيانا تحتاجين لمراجعة بعض المواضيع المحددة لتثبيت المعلومات,
ولكن قبل المراجعة يجب أن تجاوبي على هذه الأسئلة:
ما المواضيع التي أحتاج إلى مراجعتها؟
كم من الوقت أحتاج لمراجعة كل موضوع؟
ما أماكن القوة والضعف لدي؟
وأثناء مراجعتك لا بد أن تجاوب على جميع الأسئلة التي دونتها أثناء الدراسة الأولى للموضوع,
فلا تعني المراجعة إعادة القراءة بشكل سريع على أمل أن تستعيد ذاكرتك كل المعلومات؛
بل هي أكثر من مجرد قراءة أو مرور على المادة, فهي تتطلب: الكتابة – التحدث – النقاش- تحليل الأفكار المتعلقة بالموضوع؛
بل أحيانا يتطلب الأمر إعادة قراءة فصول كاملة حتى تفهمي ما قرأتِ بشكل واضح.
وقد تحتاجي أحياناً لوجود شخص يناقشك, فالمناقشة طريقة قوية لتحسين مستوى التعليم والتذكر.
وأخيرا أختم الحديث عن فنون المذاكرة المثمرة بهذه الأبيات الرائعة للشافعي:
واطلب بجدك كل علمٍ نافعٍ**واحرص عليه غاية الإمكانِ
قيد وذاكر واستفد واكتب ولا**تكسل عن التكرار كل أوانِ
لو كنت تعلم ما النتائج لم تنم**إلا كنوم الذئب بين الضانِ
أتقن إذا رمتَ شغلاً إنه**لا خيرَ في عملٍ بلا إتقانِ
لا تتركن أمراً يحل بيومه**لغدٍ فإن غداً لشغلٍ ثانِ
إنّ الأهمَ على المهمِ مقدمٌ**راعِ التدرجَ عند أهل الشانِ
يقول ابن تيمية: إنها لتعجم (تصعب) عليّ المسألة فأستغفر الله ألف مرة أو أقل فيفتحها الله عليّ!
فيا من صممّ على الذهاب غداً إلى مدرسته..أو جامعته..
خذ زادك من تقوى الله..وتب إلى الله توبةً نصوحاً..
استغفره إنه كان غفاراً..وراجع حساباتك معه..
وأكثر من الابتهال لعلّ الله يفتح عليك..
(د. عائض القرني/ مجتمع المُثل)
:[/size]
منقووووووووووووول