من معقل أهلي القرن الإفريقي .. وفي حفل بسيط للغاية بدون بهرجة إعلامية
ولا تهليل بالحدث، فاجأت صحيفة المنتخب المغربية الصوت الرياضي الأقوى
بالمغرب أهل وأعضاء مجلس إدارة النادي الأهلي بحضورها الخاص عبر مديرها
المسؤول مصطفى بدري ورئيس تحريرها بدر الدين الإدريسي لتكريم محمد
أبوتريكة نجم القارة السمراء وكل العرب بجائزة الأسد الذهبي لسنة 2008 كما
وعدت بذلك في نسختها الخامسة.
وكانت أسرة
"المنتخب" في بداية الأمر متجهة إلى أن
يكون الحفل الكبير بالمغرب بحضور شخصيات رياضية مصرية ومغربية كما حدث
سابقا مع النجم الكاميروني صامويل إيتو، إلا أنه تعذر حضور النجم المصري
الكبير محمد أبوتريكة لالتزاماته والضغوط المتلاحقة عبر أجندته المملوءة
بالمواعيد الرياضية التي حالت دون تحقيق هذا الهدف.
لذا عجلت ذات الصحيفة للسفر توا إلى القاهرة وبالتحديد إلى
النادي الأهلي المصري الشقيق لتقديم جائزة الأسد الذهبي بروح التلقائية
والبساطة والدقة في تمرير الحدث كما أرادته لغة التواصل التنسيقية بين
النادي والصحيفة المغربية.
ومع أن إلزامية الحدث المغربي بالقاهرة استوجب سرعة الزيارة
واللقاء بالنجم أبوتريكة لتقديمه جائزة "الأسد الذهبي"، فقد كان لزاما أن
يكتنز اللقاء المغربي المصري حوارا إنفراديا بعدد كبير من الأسئلة الراهنة
التي ينتظرها الجمهور المغربي والمصري على حد سواء، وجاء الحوار العملاق
ليغطي مساحات كبيرة من الأجوبة الروحية نورد مختصراتها من معقل النادي
الأهلي المصري الشقيق:
* أبوتريكة أنت اليوم متوج أفضل لاعب كرة قدم إفريقي، وأول نجم عربي
يحصل على جائزة الأسد الذهبي للمنتخب، إنك تدخل التاريخ من أوسع الأبواب؟
- الحمد لله رب العالمين، هذا فضل من الخالق، طبيعي أن أكون في
قمة السعادة والبهجة، فأنا أرى أن تعب السنين أثمر كل هذا التقدير، لذلك
لا يمكن إلا أن أكون سعيدا بحمل هذا الأسد الذهبي الجميل، وأن أكون خليفة
نجمين كبيرين هما الكاميروني صامويل إيتو والإيفواري ديدييه دروجبا، صحيح
أن ما نبدعه على أرضية الملاعب نكافأ عليه بنقاط وبألقاب وبحب الجماهير،
ولكن عندما يصل اللاعب ليكسب ود وعقل النقاد ويوضع على قمة المبدعين، فهذا
أمر يسعد ويخيف في ذات الوقت.
* يسعد ويخيف، كيف؟!- يسعد لأنه كما قلت يشهد بأن التضحيات التي نبذلها كلاعبين لا
تذهب سدى، ويخيف لأنه يحملني مسؤولية ثقيلة وكبيرة أن أظل على الدوام
كبيرا في عيون النقاد الرياضيين، مؤثرا في المنظومة الكروية، وحريصا على
تقديم الأفضل، ثم إن هذا التتويج الذي ينظر إليه على أنه تتويج فردي، هو
في تصوري تتويج جماعي، فهو يتوج كل زملائي داخل منتخب مصر وداخل النادي
الأهلي، فلولاهم بالطبع لما كان أبو تريكة اليوم أسدا ذهبيا، لذلك أعتبرهم
جميعا متوجين بهذا اللقب الفخري.
* هل علمت بتتويجك بالأسد الذهبي لصحيفة "المنتخب" قبل أن نأتي لنسلمك إياه هنا في القاهرة؟- بالطبع أخذت علما بذلك، شاهدت تقارير تلفزيونية عن الجائزة،
وقرأت في مواقع كثيرة عن التتويج، وللأمانة وجدت أن الجائزة ذات مصداقية،
صحيح أنها حديثة العهد، في سنتها الخامسة، ولكن ما تتمتع به اليوم من
شعبية داخل قارة إفريقيا، يقول بأنها جائزة تقوم على معيار المصداقية،
وعندما تأتون إلى القاهرة، وتسلمون لي الجائزة في معقل النادي الذي أتشرف
بالدفاع عن ألوانه، تقدمون الدليل على مهنية العمل وعلى قوة الجائزة، لذلك
فأنا شاكر لكم من أعماق القلب هذه السعادة المضافة، وهذه الجرعة الإضافية
التي سترفع من معنوياتي.
* في الترتيب النهائي، تقدمت على التوجولي إيمانويل أديبايور وعلى
مواطنك عمر زكي، هل يكون لتتويجك أفضل لاعب كرة قدم إفريقي معنى آخر وأنت
تتفوق في حضور نجوم أفارقة بهذا العيار الثقيل؟ - عندما يأتي تتويجي أفضل لاعب كرة قدم إفريقي في هذه الظروف بالذات التي
تشهد حضورا قويا للنجوم الأفارقة في كبريات البطولات الأوروبية والعالمية،
وعندما أتقدم على لاعبين بالمواصفات الإبداعية التي تعرف، يكون طبيعيا أن
أستشعر سعادة لا توصف، لقد نافست قبل سنتين ديدييه دروجبا على هذا اللقب،
واليوم أعطي كامل حقي في أن أنال شرف أن أكون فائزا بجائزة الأسد الذهبي،
إنه تتويج للعمل، للصبر، للمثابرة ولعدم اليأس، أقدر كثيرا ما يقدمه النجم
أديبايور داخل قلعة أرسنال العريقة، لبلده وللكرة الإفريقية، وأقدر أكثر
ما يسهم به صديقي وأخي عمر زكي في تلميع صورة الكرة المصرية.
لقد أطلعت على لجنة الحكم ووجدت أنها مشكلة من كبار النقاد
الرياضيين الأفارقة والعرب والأوربيين، فهم يمثلون أجهزة إعلامية كبيرة،
ذات شهرة دولية، وأكثر منه يعرفون كل صغيرة وكبيرة عن الكرة الإفريقية،
وقد قرأت بإمعان كبير التبريرات التي وضعوها لاختياراتهم، ووجدت أنها كلها
بنيت على أحكام موضوعية ومنطقية، لذلك قلت أن الفوز بجائزة "الأسد الذهبي"
لصحيفة "المنتخب" المغربية أسعدني كثيرا وعوضني عن أشياء كثيرة.
* هل تقصد أن الإتحاد الإفريقي لكرة القدم أحبطك عندما لم يتوجك بجائزة أفضل لاعب إفريقي، وفضل أديبايور عليك؟- ليس لي أن أعترض على شيء، فأنا رجل مؤمن، أرضى بما هو مقسوم لي،
صحيح أنني تألمت أن لا أوزن بما حققته مع منتخب مصر عندما حافظنا على
اللقب القاري، ومع فريقي الأهلي الذي واصلت معه الفوز بلقب الدوري المصري،
واستعدت معه لقب دوري أبطال إفريقيا، هذه معطيات، أرقام وإنجازات يفترض أن
يعتد بها عند اختيار اللاعب الأفضل، إنني لست بصدد إعطاء دروس، ولكنها
إنطباعات، لذلك قلت أن جائزة الأسد الذهبي، رفعت عني العين، أعطتني الحق
فيما ذهبت إليه وأكثر منه عوضتني خيرا.
* ولماذا لم يسع أبوتريكة إلى الإحتراف أوروبيا رغم الملكات الفنية
والبدنية والذهنية التي تؤهلك لذلك، هل تعتبر نفسك ثروة كروية مؤممة؟- "ضاحكا" لا أبدا، الإحتراف أوروبيا له مزاياه، في كرة القدم لا نخضع كل
شيء للعواطف، مع أنني عاطفي جدا، هناك عقل يفكر ويخطط، ربما لم أحصل على
عرض يستطيع أن يقنعني بضرورة العيش بعيدا عن أهلي وعن جماهيري، ولطالما
أنني أحقق كل هذه النجاحات التي أحققها لمنتخب بلدي ولفريقي الذي أعشقه
ولذاتي أيضا وأنا هنا في مصر، فلماذا أفكر في الرحيل بخاصة إذا لم يكن
هناك عرض يضعني في سياق كروي أفضل بكثير من الذي أنا فيه.
* الأمر لا يعني أنك وصلت لحد الإشباع، ولم تعد شهيتك مفتوحة لإنجازات أخرى؟- قطعا لا، لو كان الأمر كذلك لأنزلت الشارة وانسحبت، فأنا لا
أريد أن أصبح عالة على أحلامي، هناك طاقة أغذيها باستمرار للعمل،
للمثابرة، فالله سبحانه وتعالى يحب العبد الذي يسعي، وأنا واثق من أنني
إلى الآن لم أحقق كل الذي يطمح له لاعب كرة قدم.
* أبوتريكة أنت تبرز مدى تواضعك؟- التواضع هو سبيلنا للمجد، عندما نتواضع نقول أننا لا نجني إلا
ما قدره الله علينا، ولا نحصد إلا ما زرعنا، وأننا لكي نعيش لابد وأن
نعمل، لذلك هناك أشياء كثيرة أطمح إليها وسأصل إليها بتوفيق من الله.
* لم تلعب حتي الآن أي نهائيات لكأس العالم، هل طموحك أن تصل مع منتخب مصر إلى مونديال جنوب أفريقيا سنة 2010؟- بل هو حلم كل أبناء جيلي، فليس هناك أروع من أن تصل إلى نهائيات
كأس العالم، أن نحضر حدثا كرويا بهذه الشهرة والعالمية، لقد فزنا مرتين
باللقب الإفريقي ومقبلون على المشاركة في كأس القارات، ولكن اللعب في
المونديال له مذاق خاص، إنه دخول للتاريخ من أوسع الأبواب.
* مع أن الدخول إلى التاريخ، هو أن يذهب منتخب مصر لأبعد مدى؟- علينا أن نفكر أولا في التأهل، فالأمر غير محسوم، ولن يكون
بالسهولة التي يظنها البعض، سندخل مرحلة تصفيات في غاية الصعوبة أمام
منتخبات قوية تعيش هي الأخرى على حلم الصعود إلى كأس العالم.
* لابد أنك تعني بذلك منتخب الجزائر، وما يطبع مبارياتكم معه من ندية، إنها مواجهات بطابع محلي صرف؟
- سنواجه ثلاثة منتخبات، وسنلعب ست مباريات، وليس لنا أن نفاضل بين المنافسين ولا بين المباريات،
علينا أن نكون منضبطين ومركزين وبحرص شديد على التعامل مع كل
مباراة من دون النظر إلى ما سبقها أو ما يليها، ثم إن منتخب الجزائر يبرز
كند قوي اعتبارا لجانب المحلية الذي يبرز في لقاءاتنا، إنما أؤكد لك على
أننا ننظر، بل ويجب أن ننظر إلى المبارتين على أنهما كرنفال رياضي، يجب أن
يحضر فيه مشترك التاريخ والعروبة والأخوة، وتنتفي كل محاولة للركوب على
الحدث لإثارة الفتنة.
* ولكن يبدو أن لمنتخب مصر بما هو عليه الآن من عناصر وروح الحظوظ الأوفر للوصول إلى نهائيات كأس العالم؟
- على الورق يبدو الأمر كذلك، إن لنا أشياء ترجح الكفة، ولكن على
أرضية الملعب هناك حقائق أخرى، ونحن واعون أن الوصول إلى كأس العالم هو
حلم، يتطلب تحقيقه مزيدا من الجهد، كثيرا من الصبر وطاقة موظفة بذكاء
لعبور الجسر بعد الآخر، من دون استسهال لأي من المباريات ومن دون استصغار
لأي من المنافسين، ثم إن الوصول إلى كأس العالم، هو شبيه بالفوز باللقب
الإفريقي، إنه شيء لا بد أن يستحق.
* أعرف تواضعك، فهو بدرجة تجعلك لا تميل إلى الحديث عن نفسك، لكن أريد
أن أسألك، ما هي الوصفة السحرية التي تمكن لاعبا من أن ينال الألقاب وحب
الناس، ويصبح قيمة إنسانية رائجة بين قومه وعند الآخرين؟- أولا النجاح هو توفيق من الله عز وجل، كما أن الإخفاق هو قدر ومكتوب،
وقمة التوازن النفسي أن تتشبع إيمانا بهذا المعطى، ثانيا حب كرة القدم
الذي يدفع إلى التضحية بأشياء أخرى، ثالثا البحث عن المتعة في ممارسة كرة
القدم، ما يعني أن كرة القدم لا يجب أن تتحول إلى وظيفة نحصل منها على
أموال، بقدر ما يجب أن تكون مصدرا جالبا للمتعة ومحققا لها في الآن نفسه،
أي أن يصل اللاعب إلى تحقيق متعة ذاتية بالوصول إلى أكبر درجات الإبداع،
وأن يحقق المتعة للذين جاؤوا لمشاهدته.
عندما تحب تعطي بقدر ما تأخذ، ولا يصبح هناك احتكام إلى وزن الأشياء، كأن يقول اللاعب سأعطي على قدر ما أحصل عليه.
رابعا لا بد من التحلي بالصبر، فبالصبر يقوى اللاعب على تخطي الأزمات والإخفاقات وانتظار الفرصة.
خامسا أن تفكر في الآخرين، وهو ما يعني أن يكون اللاعب حريصا على
أن يربط نفسه بفريقه وبزملائه، أن يعي جيدا أنه لا يساوي شيئا من دونهم،
وأن كل الإنجازات الفردية ما كانت لتكون لولا الآخرين، هذا أمر نجده أيضا
في اللعبات الفردية، فالبطل يصنعه محيطه أكثر ما يصنع نفسه بنفسه.
* كيف يستطيع الأهلي مواصلة كل هذه النجاحات، ألا يشكل البحث باستمرار
عن الألقاب هاجسا نفسيا للاعبين وللجهاز الفني وأيضا لإدارة الفريق؟- أن تكون فريقا بمرجعية وتاريخية الأهلي المصري، فذاك معناه أن تكون
مؤمنا بأنك لا تدخل أيا من الرهانات إلا لتنجح فيها، لذلك أقول أن الأهلي
بكافة مكوناته من إدارة ولاعبين وجهاز فني وجماهير يعتبر من بين أولوياته
البحث باستمرار عن الألقاب، التي من خلالها حظي الفريق بلقب نادي القرن في
إفريقيا، وبالبحث عن ألقاب أخرى يسعى الفريق إلى العالمية.
إن وجودنا جميعا لا يتحدد إلا في البحث عن البطولات.
* أسألك عن العتاب الذي يصلك من الصحافة المصرية، كيف تتعامل معه، وهل يحدث أن تكون لك ردات فعل تغضب الإعلام؟- أنا متقبل لأي نقد، محترم له لطالما أنه يتأسس على منطق، يحدث
أن لا تعجبني بعض التعليقات، ولكن لا يكون ردي إلا بالحجم الذي يتناسب مع
علاقتي المميزة مع رجال الصحافة والتي تقوم على احترام الإختصاصات.
أحيانا نحمل ما لا طاقة لنا به، ما هو أكبر من مسؤوليتنا، ويكون طبيعيا أن نقول رأينا الذي لا نقصد منه إغضاب أي احد كان.
* كان لأبوتريكة فيما أتصور نجوم أعجب بهم، أو جعلهم قدوة، من يكونون؟- محليا أنا تعلقت كثيرا بالنجم الكبير محمود الخطيب، وعالميا عشقت النجم زين الدين زيدان.
* وهل تقبل أن يسير أبناؤك على خطاك؟- أتمنى ذلك، لقد لمست وهم في سن صغيرة جدا حبهم لكرة القدم،
ويظهرون اليوم ملكات طيبة مع صغار الأهلي، وسأحاول جاهدا أن أنقل إليهم
الخبرة التي حصلت عليها في الملاعب.
* نتركك للحديث في مساحة حرة؟ - أعود وأشكر من صميم القلب صحيفة "المنتخب" المغربية على جائزتها
الرائعة، ذات المصداقية العالية، ليس لأنني كنت من الفائزين بها، ولكن لأن
لجنة الحكم المشكلة من كبار النقاد الرياضيين، وأيضا المعايير الموضوعة
للإنتقاء تقول بذلك.
أشكركم على أنكم حضرتم لتكريمي هنا وسط أهلي وأحبابي، وأسأل
التوفيق للكرة العربية وللكرة المغربية على وجه الخصوص، وأتمنى أن يوفقني
الله لأستحق هذه الثقة الغالية التي هي قلادة شرف ومسؤولية ثقيلة أيضا.
نقلا عن يلا كورهمبروووووك ياحبيب الملايين
ومن انجاز لانجاز ان شاء الله