هل هي حقا سيرة ذاتية تلك التي سطرها أوباما في كتابه‏(‏ أحلام من أبي ـ قصة عرق وإرث‏)..‏ أم أنها مذكرات شخصية‏..‏ أم لعلها تاريخ أسرة يتتبعه كاتبها في مختلف مراحل تطوراته؟‏.‏

أيا كانت الإجابة‏..‏ وأيا كان المسمي‏,‏ فإن ذلك لا يهمنا حقا‏..‏ فكل ما يعنينا هنا هو ذلك الرصد الصادق الذي عبر به أوباما عن مشاعره ومعاناته وعكس مع هذا التعبير قضايا حيوية ومؤثرة‏..‏ فاختلط وتشابك الخاص مع العام‏..‏ وتجادلت الذكريات والحكايات القديمة مع أحداث معاصرة عايشها أوباما صانعة معها رصدا شديد الخصوصية يشد القارئ نحو شطآنه منذ سطوره الأولي‏.‏

فالجانب الذاتي هنا‏(‏ قصة حياته‏..‏ طفولته‏..‏ نشأته‏..‏ صباه‏..‏ وكل المعاناة التي عايشها وهو طفل صغير‏)‏ يعكس معه في الحقيقة هموم أطفال إفريقيا‏,‏ ويرصد معه كذلك مآسي التفرقة العنصرية التي يعانيها اصحاب البشرة السوداء‏,‏ يقول أوباما في مقدمة الكتاب‏:‏ المأساة ليست مآساتي‏..‏ أو علي الاقل ليست مأساتي وحدي‏..‏ إنها مأساتكم يا أطفال إفريقيا

ومع ذلك‏,‏ تردد أوباما طويلا في سرد حكايات الماضي المؤلمة التي ظل قلبه ووجدانه يختزنها داخله‏..‏ فكر مرارا قبل أن يضعها علي الورق‏..‏ فهي في النهاية بمثابة جراح غائرة‏,‏ لا تندمل أبدا مع مرور السنين‏..‏ يقول أوباما‏:‏ ظللت أقاوم بشدة فكرة عرض ماضي علي صفحات كتاب‏..‏ ذلك الماضي الذي جعلني أشعر بأني عار‏,‏ بل أشعر بالخزي بعض الشيء‏..‏

وتغلب العقل علي العاطفة‏..‏ وانتصرت الظروف العامة والاختيار الواعي علي حكايات الطفولة الحزينة وجراح التفرقة العنصرية‏,‏ وكان هذا الكتاب الذي بين أيدينا والذي صار اخيرا من أكثر الكتب مبيعا في العالم وفقا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية‏.‏

وأوباما الذي ينحدر من أصول إفريقية سوداء وامريكية بيضاء‏,‏ هو أبن أمريكا السوداء والبيضاء علي السواء‏,‏ ومن ثم فإن قصة حياته تحمل ملامح مميزة ذات مذاق خاص يختلف بالتأكيد عن السير الذاتية الأخري التي يعرض لها الكثيرون‏.‏

تبدأ احداث هذه القصة في نيويورك حيث يتلقي أوباما خبر وفاة والده في حادث سيارة‏..‏ والده الذي كان في عينيه اسطورة فريدة أكثر من كونه انسانا عاديا‏..‏ هذا الموت المفاجئ أشعل في داخله فتيل رحلة عاطفية تتبع مسارها وخطاها أوباما عبر سنوات طويلة‏..‏ رحلة البحث عن الجذور والاصول القديمة وربما ايضا الإرث الثقيل الذي يحمله فوق اكتافه‏..‏ رحلة تبدأ في ربوع مدينة صغيرة في كانساس تعقب منها هجرة عائلة والدته الي هاواي‏,‏ ثم تأخذه الرحلة الي كينيا‏,‏ حيث يقابل الفرع الكيني من شجرة عائلته‏,‏ وهناك يواجه الحقيقة المرة والمؤلمة لحياة والده‏.‏

ويظل الرجل في ثنايا رحلة بحثه عن جذوره واصوله يقاوم ويناضل فكرة الاستسلام للأحزان والآلام والانتصار للحياة والرغبة العارمة للنجاح وخوض التجارب العديدة التي تصقل المرء‏..‏ وربما ايضا الدخول في صفحات التاريخ من أوسع الأبواب وهاهو قد فلح وصار رئيسا لأكبر دولة في العالم‏.‏

تجدر الاشارة هنا الي اسلوب وصياغة أوباما في الكتابة والتعبير‏,‏ فهو يمتلك لغة سلسة وقاطعة معا‏,‏ تحمل ملمحا جماليا آخاذا وإن كان لا ينقصها الوضوح والحسم‏,‏ وهي لغة تلائم في الحقيقة تطرقه لقضايا الهوية والعرق من ناحية‏,‏ فضلا عن الذكريات العاطفية الحميمة من ناحية اخري‏.‏

قامت بتعريب الكتاب المترجمتان المتميزتان هبة نجيب مغربي وإيمان عبد الغني نجم صادر عن دار نشر كلمة ـ أبو ظبي‏.‏
المصدر : جريده الاهرام