متابعة : خالد ياسر عبد اللطيف - القاهرة
جوهانسبرج : مازالت أصداء الفرحة بالفوز علي ايطاليا بطل العالم تسيطر علي الجماهير
المصرية التي زحفت خلف منتخبها وظلت الأفراح حتي الساعات الأولي من صباح
أمس.
فبعد الخسارة أمام البرازيل وبرغم الأداء الجيد, ظن البعض أن مغامرة
منتخب مصر في كأس القارات ستنتهي علي يد منتخب ايطاليا بطل العالم, وفقا
للسيناريو المتوقع مسبقا
لأن
الخسارة كانت ستبقي أمامهم المباراة الشرفية فقط أمام الولايات المتحدة,
قبل وداع جنوب افريقيا والعودة الي القاهرة ولكن المصريين قالوا لا..
المغامرة لم تنته بعد!
لقد فعلها المنتخب الوطني وفازعلي ايطاليا1- صفر وأكد للعالم أنه صاحب
نظرية كروية خاصة تظهر في المناسبات الكبري, ويعرف جيدا كيف يتعامل مع
الكبار برغم بعض الهفوات التي قد تلحق به من فرق أقل منه في المستوي و
التاريخ, ونال تصفيق الجميع, المساندين و المعارضين معا, بعد الفوز
التاريخي غير المسبوق, الذي حمل معه عودة الثقة من الجماهير المصرية بعد
حالة من الاكتئاب ألمت بهم عقب الخسارة من الجزائربل
وأقترب كثيرا من الدور قبل النهائي وفقا للحسابات التي أصبحت تقول ذلك,
بعد أن وضعت هذه النتيجة البرازيل وايطاليا في مأزق معا خلال مباراتهما
معا غدا, لان التعادل لن يفيد ايطاليا والخسارة ستذهب بالبرازيل الي نفق
الحسابات المعقدة ان فازت مصر بفارق كبير من الأهداف علي أمريكا وهو أمر
وارد بعد أن كبر الطموح المصري الي أبعد مدي.. وأصبح يقول: ولما لا
نصل الي المباراة النهائية ؟
ومثلما كانت الخسارة هي الخسارة أمام البرازيل رغم كل شيء, فان الفوز
كذلك هو الفوز علي الطليان.. يطغي علي كل شيء, ومهما يكن من أخطاء أو
هفوات خلال المباراة, فانها تتلاشي جميعها بعد الانتصار, ويصبح
اللاعبون أبطالا والجهاز الفني عبقريا..ودفعه
بلاعب معين من البداية أو استبدال آخر بزميل له هو نوع من القراءة الجيدة
للمباراة, فالكل يتعامل مع المعطيات وفقا للنتائج, ولذا فالسؤال الان
هو: كيف فاز منتخب مصر ؟.. وماذا فعل فريق يضم أربعة محترفين فقط
بمنافس بين صفوفه12 لاعبا حملوا كأس العالم الأخيرة ؟
أولا: لابد من الاعتراف بأن التوفيق كان حليفا لمنتخب مصر, وأن كرة
القدم لم تعد تعترف سوي بالعرق والجهد, ولم يعد هناك فارق بين لاعب محلي
اسمه أبو تريكة أو حمص, وبين كانافارو وزامبروتا ورفاقهما القادمين من
أغلي وأكبر دوريات العالم, لتصبح سيكولوجية اللاعب المصري أمرا محيرا
ومبهرا في الوقت ذاته لكل من تابع المباراة, ذلك اللاعب القادم مهموما
بمشاكله في تصفيات المونديال ليبهر العالم بأداء متميز وغير متوقع أمام
البرازيل بطل أمريكا الجنوبية في العرض الأول, ويتغلب علي أبطال العالم
في المرة الثانية.. انها سيكولوجية محيرة بالفعل.ثانيا:
لعب منتخب مصر مذاكرا بشكل جيد لمنافسه ومدركا لأسلوبه في اجادة الاختراق
من العمق أكثر من اللعب علي الأطراف, لذلك كثف جهوده في غلق هذه المنطقة
التي قد تسمح له بالمرور نحو تحقيق هدفه, فكان خياره التكتيكي هو مواجهة
ايطاليا بتجميع8 لاعبين في الوسط يتحركون معا في الدفاع وينطلقون معا
للهجوم, وأن يقف خلفهم هاني سعيد متأخرا, و وأمامهم زيدان فقط
متقدما, بينما يملأ الآخرون ما تبقي في الملعب مكثفين عملهم في الوسط
الذي لو تملكه الطليان ما انتهي بهم الحال الي تلك الخسارة التي لحقت
بهم, والتزام لاعبي مصر بما خطط لهم كان كلمة السر وراء هذا الفوز.ثالثا:
نعم.. كانت هناك فوضي في دفاع منتخب مصر كما قال مارتشيللو ليبي,
ولكنها كانت فوضي خلاقة لم تسفر عن أية أهداف لأنها مغلفة بالحماس والرغبة
والانتماء, وهكذا نتمناها دائما.. ممتزجة برجولة وائل جمعة, وتألق
هاني سعيد, وعودة حسني عبدربه في الأوقات الصعبة, وانسجام أوكا مع
المجموعة, ويكفي أنهم جعلوا بيرلو كاد أن يبكي, ودي روسي وجاتوزو ومن
بعدهما لوكا توني حين شارك قد فضحتهم ملامح وجوههم أمام العجز عن اختراق
هذا النسيج المصري, وكأنهم يقولون في أنفسهم: أيوجد من يدافع أفضل منا
وبهذه الروح ؟رابعا:
انتظر الطليان الكرة في بعض الفترات متوقعين أنها ستأتيهم سهلة مع
المهاجمين المصريين, وهذا ما أعلنوه بعد المباراة, ولكنهم فوجئوا
بأنها تأتيهم صعبة, وتضغطهم بدلا من أن يمتلكوها, ولم يكن في حساباتهم
أن يمر الوقت دون أن يتعادلوا أو يفوزوا, وعرفوا أن الالتزام والتجانس
الدائر بين زيدان وأبوتريكة يعاونهما شوقي من الخلف ويمينا ويسارا فتحي
ومعوض قادر علي تعويض غياب المهاجم الصريح في منتخب مصر.. وشاءت الأقدار
أن تؤكد لهم ذلك ويأتي الهدف عن طريق محمد حمص.
خامسا: أهلا.. بعودة الحضري.
ان ما سبق هو عرض بسيط للأشياء التي دفعت الي الفوز علي ايطاليا, بعيدا
عن التعمق في النواحي الفنية, لأن مثل هذة الانتصارات النادرة لا تحتاج
بعدها الا لمثل هذه اللقطات البسيطة بشكل أدبي ممتزج بحماس المشاعر وأجواء
الفرحة.. بعيدا عن التكتيك والتكنيك والتغييرات والتبديلات والتشكيل
وطرق اللعب.. ومبروك لمصر.