السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
نسبه الشريف
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب و اسمه شيبة الحمد بن هاشم و اسمه عمرو بن عبد مناف و اسمه المغيرة بن قصي و اسمه زيد بن كلاب و اسمه حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر و اسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة و اسمه عامر بن الياس بن مضر و اسمه عمرو بن نزار بن معد بن عدنان. و نسبه صلى الله عليه وآله إلى عدنان متفق عليه و بعد عدنان فيه اختلاف كثير -و كنيته- أبو القاسم.
-و أمه- آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.و أمها برة بنت أسد بن عبد العزى و كان وهب سيد بني زهرة خطبها لعبد الله و زوجه بها أبوه عبد المطلب و كان سن عبد الله يومئذ »أربعا و عشرين« سنة.
حمله المبارك
حملت به أمه ايام التشريق -1- هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر من ذي الحجة و سميت أيام التشريق لأنهم كانوا يشرقون لحوم الأضاحي فيها أي ينشرونها في الشمس فتكون مشرقة عليها.قالت: فما وجدت له مشقة حتى وضعته ثم خرج أبوه عبد الله و أمه حامل به في تجارة له إلى الشام فلما عاد نزل على أخواله بني النجار بالمدينة فمرض هناك و مات و رسول الله صلى الله عليه وآله حمل و قيل كان عمره »سنتين و أربعة أشهر« و قيل كان عمره »سبعة أشهر« و قيل »شهرين« و كان عبد الله فقيرا لم يخلف غير خمسة من الإبل و قطيع غنم و جارية اسمها بركة و تكنى أم أيمن و هي التي حضنت النبي صلى الله عليه وآله.
مولده الميمون
ولد صلى الله عليه وآله بمكة يوم الجمعة أو يوم الإثنين عند طلوع الشمس أو عند طلوع الفجر أو عند الزوال على اختلاف الأقوال السابع عشر من شهر ربيع الأول على المشهور بين الإمامية و قال الكليني منهم لاثنتي عشرة ليلة مضت منه و هو المشهور عند غيرهم و بعضهم وافقنا. -2- هنا إشكال و هو أنه إذا كان حمله أيام التشريق و هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر من ذي الحجة و ولادته في ربيع الأول فإن كان من تلك السنة كان حمله أقل من ستة أشهر و الاتفاق حاصل على أن الحمل لا يكون أقل من ذلك و إن كان من السنة الثانية كانت مدة حمله نحوا من سنة و أربعة أشهر و أقصى مدة الحمل عندنا أقل من ذلك»و أجيب«بأن كون حمله أيام التشريق مبني على النسيء الذي كان في الجاهلية و هو أنهم كانوا إذا احتاجوا إلى الحرب في شهر من الأشهر الحرم حاربوا فيه و جعلوا بدله شهرا آخر و الله أعلم.
واتفق الرواة على أنه صلى الله عليه وآله ولد عام الفيل بعد خمسة و خمسين يوما أو خمسة و أربعين أو ثلاثين يوما من هلاك أصحاب الفيل لأربع و ثلاثين سنة و ثمانية أشهر أو لاثنتين و أربعين سنة مضت من ملك كسرى أنوشروان و لسبع بقين من ملكه.
و أرسلت آمنة إلى عبد المطلب تبشره فسر بذلك و دخل عليها و قام عندها يدعو الله و يشكر ما أعطاه و قال: الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد على الغلمان أعيذه بالله ذي الأركان حتى أراه بالغ البنيان أعيذه من شر ذي شنان
و كانت ولادته في الدار المعروفة بدار ابن يوسف و هو محمد بن يوسف أخو الحجاج و كان صلى الله عليه وآله وهبها لعقيل بن أبي طالب فلما توفي عقيل باعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج فلما بنى داره المعروفة بدار ابن يوسف أدخل ذلك البيت في الدار ثم أخذته الخيزران أم الرشيد فأخرجته و جعلته مسجدا يصلي فيه و هو معروف إلى الآن يزار و يصلى فيه و يتبرك به و لما أخذ الوهابيون مكة في عصرنا هذا هدموه و منعوا من زيارته على عادتهم في المنع من التبرك بآثار الأنبياء و الصالحين و جعلوه مربطا للدواب
رضاعه
أرضعته أولا ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أياما قبل أن تقدم حليمة و كانت أرضعت قبله عمه حمزة.فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يكرمها و تكرمها زوجته خديجة أم المؤمنين و أعتقها أبو لهب بعد الهجرة فكان صلى الله عليه وآله يبعث إليها من المدينة بكسوة و صلة حتى ماتت فسأل عن ابنها مسروح فقيل مات فسأل عن قرابتها فقيل ماتوا.
ثم أرضعته حتى شب حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله السعدية من بني سعد بن بكر و كان أهل مكة يسترضعون لأولادهم نساء أهل البادية طلبا للفصاحة و لذلك قال صلى الله عليه وآله أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش و استرضعت في بني سعد.فجاء عشر نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضاع و فيهن حليمة فأصبن الرضاع كلهن إلا حليمة و كان معها زوجها الحارث المكني أبا ذؤيب و ولدها منه عبد الله فعرض عليها رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت يتيم و لا مال له و ما عست أمه إن تفعل فخرج النسوة و خلفنها فقالت لزوجها ما ترى قد خرج صواحبي و ليس بمكة غلام يسترضع إلا هذا الغلام اليتيم فلو أنا أخذناه فإني أكره أن أرجع بغير شيء فقال لها خذيه عسى الله أن يجعل لنا فيه خيرا فأخذته فوضعته في حجرها فدر ثدياها حتى روي و روي أخوه و كان أخوه لا ينام من الجوع فبقي عندها سنتين حتى فطم فقدموا به على أمه زائرين لها و أخبرتها حليمة ما رأت من بركته فردته معها ثم ردته على أمه و هو ابن »خمس سنين و يومين«.
و قدمت حليمة على رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما تزوج فبسط لها رداءه و أعطتها خديجة أربعين شاة و أعطتها بعيرا.و جاءت إليه يوم حنين فقام إليها و بسط لها رداءه فجلست عليه.
و جاءه وفد هوازن يوم حنين و فيهم أبو ثروان أو أبو برقان عمه من الرضاعة و قد سبي منهم و غنم و طلبوا أن يمن عليهم فخيرهم بين السبي و الأموال فقالوا خيرتنا بين أحسابنا و أموالنا و ما كنا لنعدل بالأحساب شيئا فقال أما ما لي و لبني عبد المطلب فهو لكم و سأسأل لكم الناس فقال المهاجرون و الأنصار ما كان لنا فهو لرسول الله و أبى بعض المؤلفة قلوبهم من قبائل العرب و قبائلهم فأعطاهم إبلا عوضا من ذلك و يأتي تفصيله في وقعة حنين و جاءوا يوم حنين بأخته صلى الله عليه وآله من الرضاعة و هي الشيماء بنت الحارث فقالت يا رسول الله إني أختك من الرضاعة فبسط لها رداءه فأجلسها عليه و قال إن أحببت فعندي محببة مكرمة و إن أحببت أن أعطيك و ترجعي إلى قومك فقالت بل تعطيني و تردني إلى قومي.
كفالة عبد المطلب النبي صلى الله عليه وآله
كفل النبي صلى الله عليه وآله بعد أبيه جده عبد المطلب و قام بتربيته و حفظه أحسن قيام و رق عليه رقة لم يرقها على ولده و كان يقربه منه و يدنيه و لا يأكل طعاما إلا أحضره و كان يدخل عليه إذا خلا و إذا نام و يجلس على فراشه فيقول دعوه. و لما صار عمره »ست سنين« و ذلك بعد مجيئه من عند حليمة بسنة أخرجته أمه إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به و معه أم أيمن تحضنه فبقيت عندهم شهرا ثم رجعت به أمه إلى مكة فتوفيت بالأبواء بين المدينة و مكة فعادت به أم أيمن إلى مكة إلى جده عبد المطلب و بقيت تحضنه فبقي في كفالة عبد المطلب من حين وفاة أبيه ثمان سنين.و توفي عبد المطلب و عمره »ثمانون سنة« فلما حضرته الوفاة أوصى ولده أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وآله و حياطته و كفالته و لم يكن أبو طالب أكبر إخوته سنا و لا أكثرهم مالا فقد كان الحارث أسن منه و العباس أكثرهم مالا لكن عبد المطلب اختار لكفالته أبا طالب لما توسمه فيه من الرعاية الكافية لرسول الله صلى الله عليه وآله و لأنه كان على فقره أنبل إخوته و أكرمهم و أعظمهم مكانة في قريش و أجلهم قدرا فكفله أبو طالب و قام برعايته أحسن قيام، و كان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده و كان لا ينام إلا إلى جنبه و يخرج فيخرج معه و صب به أبو طالب صبابة لم يصب مثلها بشيء قط و كان يخصه بالطعام و كان أولاده يصبحون رمصا شعثا و يصبح رسول الله صلى الله عليه وآله كحيلا دهبنا] دهينا[ و كان أبو طالب توضع له وسادة بالبطحاء يتكئ عليها أو يجلس عليها فجاء النبي صلى الله عليه وآله فجلس عليها فقال أبو طالب إن ابن أخي هذا ليحس بنعيم و خرج به معه إلى الشام و هو ابن »اثنتي عشرة سنة« بعد ما عزم على إبقائه بمكة لكنه أبى إلا أن يصحبه فأخذه معه حتى بلغ به بصري فرآه بحيرا الراهب، و لم يزل أبو طالب يكرمه و يحميه و ينصره بيده و لسانه طول حياته.و حكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب إن أبا طالب كان كثيرا ما يخاف على رسول الله صلى الله عليه وآله البيات فكان يقيمه ليلا من منامه و يضجع ابنه عليا مكانه فقال له علي ليلة يا أبة إني مقتول فقال له أبو طالب: إصبرن يا بني فالصبر أحجى كل حي مصيره لشعوب قد بذلناك و البلاء شديد لفداء الحبيب و ابن الحبيب لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب و الباع و الكريم النجيب إن تصبك المنون فالنبل تبرى فمصيب منها و غير مصيب كل حي و إن تملى بعمر آخذ من مذاقها بنصيب و استسقى به أبو طالب و هو صغير. أخرج ابن عساكر إن أهل مكة قحطوا فخرج أبو طالب و معه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنها سحابة قتماء فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة و لاذ الغلام بأصبعه و ما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا و هاهنا و أغدق و اخصبت الأرض و في ذلك يقول أبو طالب: و أبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل تلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة و فواضل و شهد الفجار و هو ابن »عشرين سنة« -و الفجار- من حروب العرب المشهورة كانت بين قيس و بين قريش و كنانة فكانت الدبرة أول النهار لقيس على قريش و كنانة ثم صارت لقريش و كنانة على قيس قال رسول الله صلى الله عليه وآله حضرته مع عمومتي و رميت فيه بأسهم و ما أحب أني لم أكن فعلت.و سميت الفجار لأنها وقعت في الأشهر الحرم.
حلف الفضول
و حضر حلف الفضول و كان منصرف قريش من الفجار و كان أشرف حلف و أول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب فاجتمعت بنو هاشم و زهرة و تيم في دار عبد الله بن جدعان فتعاقدوا و تعاهدوا بالله لنكونن مع المظلوم حتى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفة، و في التأسي في المعاش فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول و لا يعلم أحد سبق بني هاشم بهذا الحلف قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم و لو دعيت به لأجبت.
تزوجه بخديجة
و خرج إلى الشام في تجارة لخديجة و هو ابن »خمس و عشرين سنة« مع غلامها ميسرة و كانت خديجة ذات شرف و مال تستأجر الرجال في تجارتها و لما علم أبو طالب بأنها تهيء تجارتها لإرسالها إلى الشام مع القافلة قال له: يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي و قد اشتد الزمان علينا و قد بلغني أن خديجة استأجرت فلانا ببكرين و لسنا نرضى لك بمثل ما أعطته فهل لك أن أكلمها قال ما أحببت فقال لها أبو طالب هل لك أن تستأجري محمدا فقد بلغنا أنك استأجرت فلانا ببكرين و لسنا نرضى لمحمد دون أربعة بكار فقالت لو سألت ذلك لبعيد بغيض فعلنا فكيف و قد سألته لحبيب قريب فقال له أبو طالب هذا رزق و قد ساقه الله إليك فخرج صلى الله عليه وآله مع ميسرة بعد أن أوصاه أعمامه به و باعوا تجارتهم و ربحوا أضعاف ما كانوا يربحون و عادوا فسرت خديجة بذلك و وقعت في نفسها محبة النبي صلى الله عليه وآله و حدثت نفسها بالتزوج به و كانت قد تزوجت برجلين من بني مخزوم توفيا و كان قد خطبها أشراف قريش فردتهم فتحدثت بذلك إلى أختها أو صديقة لها اسمها نفيسة بنت منية فذهبت إليه و قالت ما يمنعك أن تتزوج قال ما بيدي ما أتزوج به قالت فإن كفيت ذلك و دعيت إلى الجمال و المال و الشرف و الكفاءة ألا تجيب قال فمن هي قالت خديجة قال كيف لي بذلك قالت علي ذلك فأجابها بالقبول و خطبها إلى عمها أو أبيها و حضر مع أعمامه فزوجها به عمها لأن أباها كان قد مات و قيل زوجها أبوها و أصدقها عشرين بكرة و انتقل إلى دارها و كان ذلك بعد قدومه من الشام بشهرين و أيام و عمرها »أربعون سنة« و كانت امرأة حازمة جلدة شريفة آمنت برسول الله صلى الله عليه وآله أول بعثته و إعانته بأموالها على تبليغ رسالته و خففت من تألمه لخلاف قومه و قوت عقيدته ببراهين نبوته أول ظهورها و عزيمته في المضي لما بعث به.و قد جاء أنه إنما قام الإسلام بأموال خديجة و سيف علي بن أبي طالب و لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرى لها المكانة العظمى في حياتها و بعد وفاتها التي كان لا يراها لواحدة من أزواجه.