احمد مرعى :: من كبار التريكاويه ::
المشاركات : 6151 تاريخ التسجيل : 09/05/2009 التقييم : 40 نقاط : 14553 ::: :
| موضوع: تسيس الأولمبياد.. اختراع ألمانى بدأه هتلر حينما تمسك بلافتات "ممنوع دخول الكلاب واليهود 2009-09-21, 2:13 am | |
| وضعت هذه العبارة فوق لوحات إرشادية نحاسية فوق حوائط دورات المياه العامة التى أنشئت خصيصاً لضيوف الدورة الأوليمبية العاشرة التى أقيمت فى برلين عام 1936 "Dogsand Jewesar'not Allowed" هذه العبارة أثارت أزمة كبرى قبل أيام قليلة من افتتاح الدورة.. وطلب "بيلى لاتور"baillet latour" رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية مقابلة عاجلة مع المستشار الألمانى أدولف "هتلر"، بعد زيارة تفقدية لمرافق الدورة العامة والخاصة، وبعد أن تلقى شكاوى اليهود فى ألمانيا.
وبعد أن تبادل رئيس اللجنة الأوليمبية والمستشار الألمانى عبارات المجاملة، قال رئيس اللجنة: سيدى المستشار إن العلامات الإرشادية التى يراها الزائرون لضيوف الدورة فوق دورات المياه تتعارض مع المبادئ الأوليمبية!
رد هتلر بسرعة وبدون تردد: سيدى الرئيس: حينما يدعوك صديق لزيارة فى بيته، فإنك لا تقرر له شروط الزيارة، ولا تحدد له ما الذى ينبغى ألا تقع عليه عينك وأنت فى الطريق لدورة المياه.. أليس كذلك؟!
سكت "لا ثور" قليلاً قبل أن يرد قائلا: سيدى المستشار حينما يرتفع العلم الأوليمبى فوق ستاد برلين الأوليمبى، فإنها لم تعد ألمانيا، ولكنها أوليمبياد، وبالتالى فإن فخامتكم لن تكونوا أصحاب البيت، ولكن نحن!
رد هتلر بسرعة: أكل هذا الغضب بسبب المبادئ الأوليمبية؟! منذ متى يحترم اليهود المبادئ؟! هل لديك سيدى الرئيس ما يفيد أن اليهود احترموا المبادئ فى أى وقت من التاريخ؟! إن اليهود هم سبب كل المشاكل والكوارث والحروب فى تاريخ البشرية.
قال رئيس اللجنة الدولية: سيدى المستشار نحن لسنا بصدد محاكمة اليهود ها هنا.
قال هتلر: ولكنك تطلب مقابلتى من أجلهم ولكى تدافع عنهم! قال لا ثور: لأن الخطر سيدى المستشار يشملهم وحدهم!
رد هتلر قائلاً وبسرعة: ولكنه يشمل الكلاب أيضاً.. وأنت لا تدافع إلا عن اليهود!
وضحك الاثنان، وأمر "هتلر" بإزالة اللوحات فى نفس المقابلة، ثم التفت إلى رئيس اللجنة الأوليمبية قائلاً: ولو أن هذا لن يغير من حقيقة اليهود شيئاً.
لم ينطلق موقف هتلر إزاء اليهود من فراغ لكنه تأسس على حقائق، فقد ساعد اليهود الحلفاء فى الحرب العالمية الأولى على هزيمة ألمانيا ـ أوفو بوعودهم لوزير الخارجية البريطانى "بلفور" الذى وعد بإقامة وطن قومى لهم فى فلسطين مقابل مساعدة الحلفاء فى الحرب.
وكانت المساعدة هى الخيانات والنشاط الهدام داخل ألمانيا لمصلحة الحلفاء، لقد طعنوا ألمانيا فى ظهرها، ونشبوا مخالبهم فى جسدها ليرغموها على الاستسلام وإخضاعها لعقوبات اقتصادية وعسكرية وتحجيم جيشها.
كان هتلر جندياً فى الجيش الألمانى برتبة "رقيب"، وحين انهزمت ألمانيا، كان هتلر يعالج بإحدى المستشفيات من فقدان الإبصار الذى أصابه نتيجة قنبلة سقطت فوق الموقع الذى كان يشغله فى الحرب، هذه القنبلة كانت معبئة بغاز "الخردل" الذى يسبب العمى!
وحين استرد إبصاره راح يبحث عن أسباب الهزيمة، وجعل يشعل الثورة بعد انضمامه لحزب العمال الألمانى فى مواجهة "مجرمى نوفمبر" وهم اليهود الذى دفعوا ألمانيا للهاوية، وقاد هتلر المظاهرات فى الشوارع حتى ألقى القبض عليه واعتقل، وحكم عليه بالسجن أربع سنوات خفضت إلى 13 شهراً، وهى الفترة التى ألف فيه كتابه الشهير "كفاحى" وهو "الكتاب المقدس" للعقيدة النازية، وتتمحور فكرته الرئيسية حول إعادة بعث ألمانيا، واستحقاقها لمركزها المشروع فى قمة العالم المتحضر من خلال "الاشتراكية الوطنية".
وقد تأسست فكرة الكتاب على أن تكون الأمة الألمانية "وحدة مقاتلة"، وكل جهاز حى يتوقف عن النضال مقضى عليه بالفناء، وتتوقف القوة النضالية لكل عنصر على مدى نقائه، وهنا تقوم الحاجة إلى تطهيره من الدنس الأجنبى الغربى، والشعب اليهودى هو الدنس، لأنه ميال إلى المهادنة بدافع انتشاره فى العالم وبدافع "الأممية"، والمهاونة هى الخطيئة القاتلة، لأنها تعنى إخضاع الشعوب المناضلة لليهود.
ويمضى هتلر فى كتابه قائلاً: لا يمكن تحقيق أى نجاح للوطن عن طريق الفضائل البرجوازية فى السلام والأمن، ولا يمكن القيام بتحالف مع روسيا الشيوعية، لأن هدف السوفييت هو انتصار الصهيونية العالمية!
ولا يمكن فهم موقف هتلر من اليهود بمعزل عن هذه الحقائق التاريخية، كما لا يمكن تفسير كيف تحولت الدورة الأوليمبية فى برلين عام 19.3 إلى منبر للخطابة وفضح حقيقة الصهيونية، بمعزل عن الظروف التى ساقت إلى هزيمة ألمانيا ودفعت هتلر لهذا الموقف.
وبعيداً عن هذا الموضوع، فقد كانت "دورة برلين" هى البداية الحقيقية لاستغلال الرياضة سياسياً، كانت نقطة تحول جعلت الألعاب الأوليمبية منبراً للخطابة والاحتجاجات، ومسرحاً للصراعات واستعراض العضلات "وفاترينة عرض" للأيدلوجيات السياسية!
كانت دورة "لوس أنجلوس" التى أقيمت قبلها بأربع سنوات هى آخر عهود السلام الأوليمبى كانت بعيدة تماماً عن السياسة، لدرجة أن اللجنة الأوليمبية الأمريكية حين طلبت من الرئيس الأمريكى "هيربرت هوفر" أن يشمل الدورة برعايته ويحضر حفل الافتتاح، فقال: هذا جنون لا يخلو من وقاحة، أن يتوقع البعض أن أكون جزءاً من هذه الألعاب من هذا العبث.
كانت دورة "لوس أنجلوس" عام 1932 قد حققت طفرة هائلة فى التجهيزات والمنشآت الفخمة الضخمة، ففيها تحولت القرية الأوليمبية إلى حقيقة لأول مرة على أرض الواقع وكان مستواها خمس نجوم، وتم تشييد أكبر ستاد يستوعب 104 آلاف متفرج وكانت إقامة الوفود فى مستوى إقامة الملوك.
ولكن دورة برلين الأوليمبية تجاوزت كل هذا بمراحل، كانت التجهيزات خيالية والاستعدادات خرافية!
فى عام 1931 رصدت الحكومة الألمانية 3 ملايين دولار كميزانية للدورة، وكان رقماً كبيراً آنذاك، ولكن حين وصل هتلر للسلطة عام 1933 رفع ميزانية الدورة عشر مرات وجعلها 30 مليوناً، وكان رقماً فلكياً وخرافياً، فقد كان هتلر يتطلع لأن تكون الدورة الأوليمبية "فاترينة عرض" للنظام النازى، وكان يرتب لأن تكون برلين هى المقر الدائم للألعاب الأوليمبية، وقال لوزير الدعاية النازى جوزيف جوبلز: الكرة فى ملعبنا، ولدينا الآن فرصة ذهبية لاستعراض تفوق الجنس الآرى، وعرض أحدث المنتجات الصناعية والتكنولوجية و.. الأيديلوجية!
كان الهدف أن تصاب الدنيا كلها بالذهول للتفوق الألمانى، وورد هذا الهدف فى وثائق "الرايخ الثالث".
أراد هتلر أن تكون دورة لبرلين الأوليمبية رسالة للعالم شرقاً وغرباً مفادها أن النظام السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى ألمانيا هو النموذج الأعلى والوسيط الأمثل بين التطرف يميناً ويساراً، بين الرأسمالية والشيوعية.
لهذا عهد بإدارة الدورة "للرابح الثالث" وضع الجنة المنظمة العليا تحت قيادته شخصياً.
كلف "هتلر" المعمارى "فيرنر مارش" بتصميم الاستاد الأوليمبى العملاق، وكان "مارش" عبقرية هندسية، وهو الذى صمم ستاد القاهرة فيما بعد، فجعل ستاد برلين وملحقاته تحفة فنية معمارية شديدة الفخامة والأبهة، وشيد الاستاد والقرية الأوليمبية بحيث تصلح لوظيفة مزدوجة الدورة الأوليمبية، والحرب إذا لزم الأمر!
كانت المنشآت علامة جودة ورمزاً للفخامة والأبهة، التى اتسمت بها الدورة، وبدأ التفوق التكنولوجى المذهل، حين ظهر التليفزيون لأول مرة ينقل الألعاب الأوليمبية داخل ألمانيا، وكان أعجوبة مذهلة، ونقلت الدورة عبر 41 شبكة إذاعية واستخدم "التلكس" لأول مرة لنقل الرسائل الصحفية، ولأول مرة ظهرت التقنية الحديثة فى الملاعب، ومنها على سبيل المثال، اللوحات الإلكترونية، والتسجيل الإلكترونى والآلى للنتائج، وجهاز "الفوتو فينيس" وهو جهاز التصوير الإلكترونى الذى يصور لحظة وصول المتسابقين كل على حدة لخط النهاية ويسجل الزمن بجزء من مائة من الثانية كما فى نهائى سباقات الجرى السريع للمسافات القصيرة، فضلاً عن التسهيلات غير المسبوقة للصحفيين الذين حشدتهم ألمانيا لتغطية الدورة، حيث خصصت لهم أماكن فى حفل الافتتاح خلف هتلر مباشرة وفى الصف التالى له وفى المستوى "لوج" وخصص 50 هاتفاً لكل 80 صحفياً للاتصال بدولهم، ومعامل لتحميض الأفلام، وصور مجانية فضلاً عن تخصيص "منطاد" لنقل الرسائل الصحفية يومياً لمختلف العواصم الأوروبية وكان المرافقون الألمان أعضاء البراغ الثالث للوفود، يرحبون الصحفيون أن ينسوا السياسة النازية "أنتم فى دورة أوليمبية"! ونسوها بالفعل، فقد كانوا فى حالة انبهار وذهول.
وعلى جميع المستويات أراد هتلر استغلال الدورة، أراد أن يجعل منها مناسبة ثقافية ضخمة ومهولة، لذا تحولت كل المدن والشوارع والميادين إلى معرض للدورة الأوليمبية من خلال الملصقات العملاقة وأقواس النصر، والتصاميم الفنية العجيبة، فأينما تلتفت تجد شيئاً كأنك فى معرض بطول ألمانيا وعرضها.
وكان هذا المعرض فرصة لعرض منجزات النازى، وتم تصنيع "جرس" عملاق يزن 16 طناً وارتفاعه 20 متراً، وبحجم بناية من ستة طوابق وكان هذا الجرس رمزاً للرايخ الثالث.
وبعد أن تم تصنيع هذا الجرس، وقبل وصوله فى موكب جماهيرى حاشد إلى برلين، طاف بكل المدن الألمانية وحين وصل إلى مدينة "بوتسدام" الملكية القديمة، كان توقيت وصوله هذه المدينة فى نفس يوم ميلاد الملك "فردريك الأعظم" وكان يوم مولده مناسبة وطنية، وفردريك الأعظم يلقب بـ"الديكتاتور العادل" ـ لاحظ التناقض ـ وكان هتلر معجباً به لسبب غريب، فحين مات إمبراطور النمسا، جهز "الديكتاتور العادل" جيشه للهجوم على النمسا، وضمها لألمانيا، وكان مبرره فى ذلك وفقاً لرواية أحد مستشاريه: إذا أتيحت لإنسان ميزة فهل ينتفع بها أو يتركها؟ إننى أمتلك جيشاً قوياً فإذا لم استخدمه الآن، يصنع جيشاً لا جدوى منه ولا لزوم له!
وحين قال مستشاره: ولكن مثل هذه الحرب ستكون عملاً غير أخلاقى. رد قائلاً: ومتى كانت الفضيلة معوقاً للملوك؟!
كان "فردريك الأعظم" هو النموذج الأعلى الذى احتذاه هتلر، فكان أول ما فعله حين امتلك جيشاً قوياً أن ضم البلاد المجاورة للأراضى الألمانية، وأولها النمسا!
وقد أمر "جوبلز" بنقل احتفالات وصول "الجرس العملاق" لبوتسدام على الهواء مباشرة عبر الإذاعة لكل محطات الدنيا وشبكة التليفزيون الداخلية.
واندفع عشرات الألوف لمشاهدة احتفالات النازى ومهرجاناته التى كانت تقام كل يوم وفى كل مكان، وتم تعبيد طريق طوله عشرة كيلومترات تكتنفه الأشجار من كل جانب يشق مدينة برلين وينتهى إلى الاستاد الأوليمبى، وأطلق عليه طريق "النصر" وشيدت الطرق والميادين فى برلين وسائر المدن، وكان "الصليب المعقوف" وهو رمز النازى يحاصر المارة فى كل مكان!
ولم يكن كل هذا غريباً، فقد تميزت شخصية الحكم النازى بالمهرجانات والمواكب، وكانت شتى المناسبات تتحول إلى مهرجانات، ومؤتمرات دعائية للحزب، كانت هذه المهرجانات هى الثوب المزخرف والمزركش للوثنية الجديدة، كما كانت رسائل تبشيرية لتعظيم وتمجيد وتفخيم النازى، وتأكيد تفوقه من خلال إنجازات الرياضة!
وقد أثار استغلال هتلر لألعاب برلين الأوليمبية سياسياً حفيظة اللجنة الأوليمبية الدولية، وجاءت الدورة بعد عام واحد من قرار محكمة "نورمبرج" باعتبار اليهود دون مستوى البشر، وكانت حكومة النازى قد بدأت تتخذ من الإجراءات ما ينسجم وهذا الإعلام.
وقد كان هتلر قد أعلن نتائج محاكمات "نورمبرج" وأثار اليهود ضجة فى أمريكا وأوروبا، وطالبوا بمقاطعة الدورة الأوليمبية عقاباً لهتلر.
ففى أمريكا، ونتيجة لإلحاح الصحف التى تسيطر عليها الصهيونية انقسم الرأى العام بين مؤيد ومعارض للمشاركة فى دورة برلين الأوليمبية وكتبت "نيويورك تايمز" أن الفريق الأوليمبى الألمانى لا يضم لاعباً واحداً يهودياً. لكن اللجنة الأوليمبية الألمانية أعلنت أن 21 لاعباً يهودياً ضمن الفريق الألمانى الأوليمبى ويشاركون فى معسكر الاستعداد للدورة.
صحيفة "commonweal" الليبرالية المسيحية شنت هجوماً على هتلر لأسباب أخرى، وقالت إن تنظيمات شباب النازى بمثابة وثيقة واضحة لـ"الوثنية"، لأنها أيدت الألعاب الأوليمبية فى برلين، وصدقت بذلك على عهد وميثاق التمييز العنصرى للمسيحية الربانية التى تتصدى لمسيحية النازى الوثنية!
وعلى صعيد آخر، دعت "الكنيسة الإصلاحية" وهى المجلس الميثودى الوطنى الكنسى، دعت إلى مقاطعة الدورة الأوليمبية المقامة فى ظل النازى، كما طالب اتحاد العمال فى أمريكا بمقاطعة الدورة لأن النازيين ضد العمال، ولا نبل فى هذا.
ودعت منظمات وجمعيات أخرى فى أمريكا، وأوروبا وتحولت المقاطعة إلى قضية رأى عام داخل أوروبا وخارجها، فقد أثار النازى القوميات الأخرى.
وفى أمريكا رأى السياسيون أن المشاركة فى الدورة من شأنها أن تشجع هتلر على المضى قدماً فى السياسة النازية، وسيكون ذلك تصديقاً على عنصرية النازى، وتغذية النعرات العرقية والطائفية واليشفوئية "المغالاة فى الوطنية" ـ chauvinism ـ بينما رأى المعارضون أن المقاطعة تتعارض مع الميثاق الأوليمبى والمبادئ الأوليمبية، بل ستكون موقفاً سياسياً يصطدم وهذه المبادئ.
كان الأمريكى "أرنست جانج" فى طليعة المشتددين المنادين بالمقاطعة رغم كون عضواً باللجنة الأوليمبية الدولية، وكان من أبرز الشخصيات الأمريكية بينما وقف "أقرى برويزاح" رئيس الاتحاد الأمريكى للهواة ورئيس اللجنة الأوليمبية الأمريكية مؤيداً بصنف المشاركة الأمريكية!
وكلفت اللجنة الأمريكية رئيسها برونداج بالسفر إلى ألمانيا لفحص الموقف على الطبيعة، قبل اتخاذ قرار نهائى فى شأن المشاركة، وعاد برونراج من رحلته يؤكد أن الدورة ستقام فى ظل "الميثاق الأوليمبى" ولن تخرج عن المبادئ الأوليمبية.. وعليه قررت اللجنة الأوليمبية الأمريكية الاشتراك فى دورة برلين، وهو الأمر الذى ترتب عليه، إسقاط عضوية "أرنست جانك" بالإجماع من عضوية اللجنة الأوليمبية الدولية، واختيار برونراج بدلاً منه فى نفس الاجتماع، وهو الذى صار رئيساً للجنة الأوليمبية الدولية بعد ذلك بـ16 عاماً، ولمدة 20 سنة.
وعلى مدار عامين قبل بداية الدورة، سعى هتلر بشتى الوسائل وقنوات الاتصال السرية لاستدراج الروس للمشاركة فى دورة برلين، وبعث برسول فى آخر الأمر لمقابلة ستالين وإقناعه بمشاركة الاتحاد السوفيتى فى دورة برلين الأوليمبية مقابل التعهد بتوفير حفاوة إعلامية لائقة، لكن شالين رفض.
وفى زيارته لبرلين، التقى "برونداج" بالمستشار الألمانى ونقل له قلق الرأى العام الأمريكى من استغلال الدورة سياسياً، لكن هتلر طمأنه بأن الوفد الأمريكى سوف يحظى برعاية إعلامية لائقة، ولن يخلط بين الخلافات الأيديولوجية والألعاب الأوليمبية.
وثبت بعد ذلك أن هتلر كان يتطلع لاستدراج روسيا وأمريكا إلى مذبحة إعلامية انتقاماً من النظامين الشيوعى والرأسمالى!
كان نجم هذه الدورة هو البطل الأمريكى الزنجى الفذ "جيسى أوينز" الذى أحرز أربع ميداليات ذهبية فى سباقات 100 و200 والتتابع والوثب الطويل، وركزت الصحف الألمانية الأضواء عليه وثلاثة من زملائه من زاوية "المرتزقة السود" الذين استعانت بهم أمريكا، لم تتحدث الصحف الألمانية عن العنصرية فى أمريكا، لكن التركيز على زنوج أمريكا استوفى هذا الغرض، قالت الصحف: لقد مثلوا أمريكا لعقود طويلة من الزمان فى الألعاب الأوليمبية دون أى جلبة أو ضوضاء فى التاريخ مع أنهم يستحقون الضوضاء والجلبة التى يثيرها الأمريكيون البيض حول أنفسهم! إنهم قوات الإنقاذ الأفريقية الذين استعانت بهم أمريكا لإنقاذ ماء الوجه! وفاز "الجيش" النازى الأوليمبى ببطولة الدورة بعد أن سحق الجيش الأمريكى برصيد 89 ميدالية، بينما لم يتجاوز رصيد الجيش الأوليمبى الأمريكى 56 ميدالية.
ولم يكتف النازيون بهذا التفوق الساحق على الأمريكيين، كان هتلر يخص "الزنوج" بالتهنئة إذا ما أحرز أحدهم ميدالية، ولا يفعل ذلك مع البعض! الأمر الذى دفع رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية يوجه كتاباً لهتلر خلال الدورة قائلاً: إما أن تكون التهنئة لجميع الأبطال أو لا تكون هناك تهنئة لأحد!
لكن هتلر لم يلتفت لهذا التحذير، فقد كان القطاع قد انطلق، ولم يعد ممكناً إلغاء الدورة الأوليمبية، أو سحب حق أقامته فى ألمانيا!
ولم يكن ما جرى فى هذه الدورة يتفق والميثاق الأوليمبى الذى يقول إن الهدف من الألعاب الأوليمبية هو أن تكون واحدة للسلام بعيداً عن أى نوع من التمييز فى اللون أو العرق أو الدين أو القوة!
فقبيل بداية الدورة بثلاثة أيام، اجتمع هتلر مع حشد هائل من الفريق الأوليمبى الألمانى المشارك فى الدورة، وألقى فيهم خطبه وطنية عصماء أشعلت الحماس ودفعت جميع الرياضيين للهتاف: الموت فى سبيل الوطن.
قال هتلر: اقتربت ساعة الصفر، وبعد ثلاثة أيام تبدأ المعركة، وتبدأ صفحة جديدة من تاريخ ألمانيا المجيد، وأنتم أيها الجنود الشجعان سوف تطرون هذه الصفحة، وتدافعون عن شرف وكرامة الوطن، نريد أن نثبت للعالم أننا الأفضل والأقوى، والأعظم والأجدر بالحياة فى عالم لا مكان فيه للضعفاء والجبناء، لا مكان إلا للأقوياء!
كان هتلر متحمساً، كما لو كان يلقى خطبة لجنوده قبل الذهاب لميدان القتال، وكان خطيباً بارعاً ولم ينازعه فى الخطابة زعيم آخر فى التاريخ! وخلال الدورة، آثار لاعبو الفريق الألمانى الأوليمبى قلق اللاعبين الأمريكيين، فكلما التقى أحدهم بلاعب أمريكى بادره التحية العسكرية للنازى حيث يرفع ذراعه إلى الأمام ويصيح هاتفاً "هيل هتلر"!
والواقع أن اهتمامات هتلر الرياضية كانت مبكرة، فقد كان لاعباً للملاكمة، وكان يعتقد أن الملاكمة هى الرياضة الوحيدة التى تعلم الصلابة، وسرعة اتخاذ القرار، وخلال فترة وجوده بالسجن عام 1924 كتب يعزو سقوط ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى إلى نطاق التعليم، الذى لم يتح فرصة للشباب لممارسة الرياضة، فبقدر ما كان هذا النظام عقلانياً بقدر ما كان غير واقعى، وقال إن التلاميذ بحاجة لوقت أكبر لممارسة الرياضة لمدة ساعة على الأقل وساعة مساءً فى كل نوع من أنواع الرياضة.
وحين تولى السلطة سعى لنشر الرياضة على أوسع نطاق، وأسس مهرجانات رياضية داخلية على غرار الألعاب الأوليمبية القديمة عند الإغريق، ولكنه جعل المشاركة فى هذه المهرجانات مقصورة على شباب الرايخ الثالث.
وكما حاول ستالين أن يجعل الرياضة فى خدمة الماركسية اللينينة، حاول هتلر أن يجعل الرياضة فى خدمة النازية، ولقد خدمتها بالفعل، حتى قضت عليها تماماً، وحتى قضت عليه أيضاً.
|
|