القاهرة: ذكرت تقارير صحفية ان القاهرة والجزائر بدأتا
تحركا سريعا لطي أحداث نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وتداعيات جولتي الحصول على بطاقة
التأهل الى مونديال جنوب أفريقيا 2010 في أشهر معركة كروية عرفتها الملاعب العربية
كادت تعصف بالعلاقات التاريخية بين البلدين.
واتجه المسؤولون في اثنتين من أكبر الدول العربية الى
نزع فتيل الأزمة التي أدت الى سحب السفير المصري من الجزائر في ظل الأجواء المشحونة
التي أعقبت مباراة الخرطوم الفاصلة، والتي عكست احتجاجا مصريا على ما اعتبرته
القاهرة مسؤولية للحكومة الجزائرية عن التداعيات التي تلت المباراتين واستهداف
شركاتها ومصالحها ومواطنيها العاملين بالجزائر.
في هذه الأثناء، كشف مصدر دبلوماسي جزائري رفيع
المستوي لصحيفة "الدستور" المصرية المستقلة النقاب عن أن الرئيس الجزائري عبد
العزيز بوتفليقة أعطي تعليمات مشددة إلي جميع وسائل الإعلام الرسمية التي تهيمن
عليها حكومته، بعدم شن أي حملات هجوم أو انتقادات ضد مصر علي خلفية التوتر الراهن
في العلاقات الثنائية عقب مباراة كرة القدم التي جمعت منتخبي مصر والجزائر في
السودان مؤخرًا.
وقال المصدر الجزائري إن بوتفليقة شدد علي عدم دخول
وسائل الإعلام الرسمية في أي حملات إعلامية موجهة ضد مصر.
وأضاف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه: "كل وسائل
الإعلام الرسمية لم تدخل المعركة الإعلامية ضد مصر، لا التليفزيون بقنواته الثلاثة
ولا الراديو ولا الصحف الرسمية".
ولفت المصدر إلي أن الحملة الإعلامية الراهنة بين مصر
والجزائر تشارك فيها جميع وسائل الإعلام المصرية المسموعة والمكتوبة والمرئية-
بينما في الجزائر هناك صحف خاصة متورطة في هذه الحملة، مؤكداً أن هذه الصحف لا تعبر
عن الموقف الرسمي للرئيس بوتفليقة أو الحكومة الجزائرية.
في نفس السياق، قدّم مراد مدلسى، وزير الخارجية الجزائرى، التهنئة للمصريين بعيد
الأضحى المبارك. وقال، فى تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، إن بلاده ملتزمة
بالتهدئة وانتهاء الحملات الصحفية، وقال إن حكومته "لا تتعامل على الإطلاق مع ما
يقال هنا أو هناك، وعلى ألسنة مختلفة لأن الجزائر تكن كل تقدير واحترام لمصر وشعبها
وحكومتها".
وأضاف مدلسى أن بلاده تتمنى كل الخير لمصر و"ترغب فى
طى الصفحة فى إطار العلاقات الأخوية بين البلدين"، وذلك فى إشارة للأحداث التى
أعقبت مباراة مصر والجزائر فى السودان فى 18 نوفمبر الماضى وتطورات الأزمة فى
البلدين.
ورداً على سؤال للصحيفة حول الوساطة التى تدخلت فيها
كل من ليبيا والجامعة العربية، قال: "نحن نحترم لهما مبادراتهما، لكن العلاقة بين
مصر والجزائر قوية ولسنا فى حاجة لوساطة مع الإخوة فى مصر، ونقدر كل من يقرّب بين
الشعبين".
وعن الأجواء التى مازالت مشحونة، قال الوزير: "نحن
مسؤولون عن الأجواء فى الجزائر، ووزارة الخارجية المصرية مشكورة فى تهدئة الأجواء،
ونرحب بما ذكره وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط".
وكان أبو الغيط أعلن في وقت سابق أن مصر تسعي للتهدئة
مع الجزائر، لافتا إلي أن عدة أطراف عربية من بينها ليبيا والسودان تسعي للوساطة
بين البلدين واحتواء الأزمة. وأضاف "الهدف المصري هو التهدئة والتبريد واستعادة وضع
الهدوء".
وأشار أبو الغيط إلي أن العديد من العاملين المصريين
الذين عادوا من الجزائر بسبب أحداث الشغب التي رافقت المباراة يبدون الرغبة في
العودة إلي أعمالهم هناك.
غير أنه شدد علي أن مصر تقوم حاليا بجرد المصالح
المصرية التي تضررت بهدف المطالبة بتعويضات عن الخسائر التي لحقت
لها.
وكشف عن أن حجم الاستثمارات المصرية في الجزائر يبلغ
حوالي ستة مليارات دولار أمريكي، في حين يبلغ حجم العمالة المصرية هناك حوالي 15
ألف عامل وموظف.
من جانبه، أكد عبد القادر حجار سفير الجزائر بالقاهرة ومندوبها لدى الجامعة
العربية أنه لا يوجد ما يمنع من عقد لقاءات بين المسؤولين بالبلدين على أي مستوى،
قلل دبلوماسي مصري مسؤول من شأن الخلافات الجارية نافيا أنها ترتقي الى مستوى
الأزمة.
ونقلت صحيفة "الشرق" القطرية عن حجار قوله، انه لا
توجد أية موانع لعقد لقاءات بين مسؤولين مصريين وجزائريين متى اقتضت الضرورة، مشددا
على أن ما جرى كان بمثابة عاصفة أشعلها بعض المهووسين بكرة القدم والاعلام غير
المسؤول لأغراض ومصالح شخصية بالأساس.
وشدد على أنه سعى منذ اليوم الأول وعقب مباراة القاهرة
الى احتواء الغضب الذي حدث في بلاده من جراء نشر معلومات خاطئة، لافتا الى أنه بادر
بتكذيبها على الفور سواء عبر تلفاز الجزائر أوعبر التلفزيون المصري وأصدر العديد من
البيانات التي تدحض هذه الادعاءات.
ونبه حجار الى أن ما كان يجري من اتصالات ومشاورات
متبادلة بين الجانبين لم يكن يعكس إلا الحرص على العبور بالعلاقات والأحداث التي
تفجرت الى بر الأمان دون خسائر أو أضرار، لافتا الى أنه لا يمكن وصف التشاور بين
وزيري خارجية الدولتين وسفير كل طرف لديه بأنه كان بمثابة استدعاء، لأنه لم يلمس
ذلك الذي روجت له بعض وسائل الاعلام مطلقا.
ولفت حجار الى أن الحوار والنقاش جرى في مناخ أخوي عكس
حرص كل طرف الحفاظ على العلاقات والجاليتين هنا وهناك من استهداف بعض المشجعين
الغاضبين "المهووسين" وتطويق الأحداث بأسرع وقت ممكن.
من جانبه رفض مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون
العربية السفير عبد الرحمن صلاح التعليق على فترة وجود السفير بالقاهرة مكتفيا
بالقول إنه "استدعي من جانب القاهرة للتشاور"، ولفت الى أنه أجرى سلسلة لقاءات مع
العديد من الوزراء في الحكومة المصرية للوقوف على ما جرى وحصر
الخسائر.
واستهجن الدبلوماسي المصري المسؤول الحديث عن وجود
أزمة طالت العلاقات بين مصر والجزائر من جراء جولتي الحسم على بطاقة المونديال،
وأنها خلقت مناخا من الكراهية بينهما، وقال إن الجانبين بصدد دراسة ما جرى والدروس
المستفادة لعدم تكرار مثل هذه الأحداث، فيما شدد على أن خلافا بسبب مباراة لكرة
القدم لم ولن ينال من حجم العلاقات التاريخية، في ظل ما يتهدد الأمة وجميع دولها من
تحديات ضخمة لا تستثني أحدا.
وحول قضية التعويضات التي تطالب بها مصر الجانب
الجزائري كشف السفير عن أن هذه المسألة مازالت رهن البحث والتشاور والجرد من جانب
الشركات المعنية، لافتا الى أنها لم تنته من هذا الأمر بعد، وقال إن هذه التعويضات
من جراء ما ألحق بها من خسائر شأنها هي بالأساس.
وانتقد صلاح ما يتردد حول اتجاه مصر الى تدويل مطالبها
من الجزائر وتحميلها المسؤولية عما تعرض له بعض أبنائها ومؤسساتها سواء بالجزائر
أوالخرطوم وأن هذه الخسائر تقدر بالمليارات، مشددا على أنه لم يسمع بهذا الأمر
مطلقا، وأكد أن ما تروج له بعض وسائل الاعلام يتنافى مع الحقيقة ويتعارض مع حجم
الأحداث بل ومع العلاقات التاريخية بين البلدين.
اتهامات متبادلة بين وزارتي
الخارجية والإعلام
من ناحية اخرى، كشفت مصادر رسمية عن أزمة غير معلنة
بين وزارتى الخارجية والإعلام المصريتين بسبب أحداث مباراة مصر والجزائر فى
السودان، وصلت إلى حد تبادل الاتهام بين الطرفين.
كان الخلاف قد بدأ بين الجانبين قبل مباراة الخرطوم،
عندما طالب أنس الفقى، وزير الإعلام المصري، السفارة المصرية فى السودان بتوفير عدد
من تذاكر المقصورة الرئيسية، غير أن السفارة ردت بأن التذاكر غير متوافرة سواء فى
المقصورة أو الدرجة الأولى، وأنها ستوزع على جميع الجهات المعنية فى ظل حضور عدد
كبير من المسؤولين المصريين.
ونقلت صحيفة "المصري اليوم" عن المصادر قولها: ان
وزارة الإعلام ردت على ذلك عملياً بعدم استضافة أى من مسؤولى السفارة لتوضيح الموقف
فى الأزمات التى تلت المباراة، مما تسبب فى تحميل الرأى العام مسؤولية ما تعرض له
المصريون للسفارة،
وهو ما كشفه سفير مصر في السودان عفيفى عبدالوهاب، إذ
فشل السفير فى الاتصال ببرامج التليفزيون، حتى مكالمته مع برنامج "البيت بيتك" لم
تتجاوز دقيقة واحدة، وانقطعت المكالمة، ولم يعاود البرنامج الاتصال
به.
وكشفت المصادر أن أنس الفقى، وزير الإعلام، اتصل
هاتفياً بالسفير حسام زكى، المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية المصرية، ليبلغه احتجاجه
على الانتقادات التى وردت على لسان عفيفي.
فيما أكدت المصادر نفسها أن مسؤولى وزارة الخارجية
غضبوا من تصريحات الفقى فى مجلس الشعب، التى وصف فيها المشجعين الجزائريين بـ
"العربجية"، كما هاجم الدول العربية بقوله: "بلا قومية عربية بلا
بتاع".
وأوضحت أن الخلاف الأخير يعبر عن الأزمة بين
الوزارتين، إذ تتهم "الخارجية" "الإعلام" بعدم تقديم المساندة فى كثير من القضايا
المهمة خلال الفترة الأخيرة، فيما يركز التليفزيون المصرى على ملف مشكلات المصريين
فى الخارج،
كما تتهم الخارجية التليفزيون بغياب الرؤية السياسية
لدى تناول القضايا الدبلوماسية، مدللة على ذلك بأن أول انتقاد للسودان فى أزمة
الجزائر كان فى التليفزيون الرسمى، ما دعا الحكومة السودانية إلى استدعاء السفير
المصرى بالخرطوم.