متى نكون أصحاب مبادرة «حتى فى الضرب»؟ليلة الأربعاء 18 نوفمبر 2009 هى ليلة الحزن عند المصريين وليلة الفزع عند
الآلاف منهم فى الخرطوم وليلة تبخر أسهل فرصة للتأهل إلى كأس العالم لكرة القدم فى
التاريخ.
ببساطة هى نكسة جديدة ليست لكرة القدم فحسب، بل نكسة مصرية تقترب فى
دويها (ليس تأثيرها بالطبع) من النكسة العسكرية فى 5 يونيو 1967.
نكسة لأننا فقدنا خلالها هيبة كنا نعتز بها.
نعم.. فقد المصريون هيبتهم فى شوارع الخرطوم أمام مجموعة من المجرمين
القادمين من الجزائر. والأمر تحول اليوم إلى صراع سياسى بين دولتى مصر والجزائر مع
تبادل صارخ للاتهامات على الشاشات وفى الصحف..
واستدعاء للسفير المصرى من الجزائر. والباقى أسوأ.. اقتصادياً وشعبياً ورياضياً.
ولا تقل عربيا.. لأن العروبة أصبحت ماضياً سحيقاً ومؤلماً.
هذه هى الصورة الآن بعد مباراة كرة قدم.
مجموعة من الحقائق الواضحة شاهدها وعرفها وتوقعها الخبراء..
ولكن الحقيقة الكبرى التى نغض النظر عن رؤيتها وتصديقها عمداً ونخفى رؤوسنا فى
الأرض مثل النعام لنتجاهلها هى الفشل الذريع للمسئولين فى مصر فى التعامل مع
اللقاء.
بكل أسف.. كنا كالعادة أصحاب ردود أفعال.
والسؤال الذى يلح على رأسى ويثير الغضب فى نفسى هو:
متى نكون أصحاب مبادرة (حتى فى الضرب)؟
قبل السفر
إلى الخرطوم كنا متأكدين أن المباراة ستخرج من إطارها الرياضى إلى
اتجاهات أخرى وقد تتحول إلى معركة.
هم فى الجزائر عرفوا وخططوا للمباراة جيداً.
تخطيط لما يسبق اللقاء وما يحدث فى الملعب وما يتبع خارجه.
ونحن فى مصر اكتفينا بالاحتفالات فى القنوات الغبية وعلى الصفحات الساذجة
وبدأنا التفكير فى أمر واحد فقط. كيف نحتفل فى الخرطوم؟
وتسابق هواة المنظرة إلى السفر من سياسيين يريدون الاقتراب من جمال
مبارك.. ومعهم العشرات من الأشخاص المتطلعين إلى مناصب عليا أو وجاهة اجتماعية.
ماذا نفعل فى القاهرة؟ ما هى البرامج الجديدة؟ وكيف نستقبلهم فى
المطار؟ وما هو حجم الجوائز والهدايا؟
لم نفكر إطلاقاً فى المباراة وما يحيط بها.
ووقعت المصيبة أو النكسة وخسرنا كل شىء.
وتفرغنا اليوم فقط للغضب وفقدنا صوابنا فى ردود الأفعال..
وهو الأمر الذى سيعود بخسائر أكبر على مصر من كل الجوانب.
اتركوا جنونكم ياسادة لدقائق وتعالوا نتعرف على أسلوب تفكير الجانب
الجزائرى قبل السفر إلى الخرطوم بعد تعبئة الرأى العام بكل قوة كذبا وافتراء،
لإقناع كل جزائرى أن جمهورهم ولاعبيهم عاشوا الموت فى القاهرة.
خططوا للشر للرد على أحداث القاهرة.. وهى بكل تأكيد أقل ألف مرة من الأحداث
التقليدية التى يتعرض لها المنتخب والفرق المصرية فى أى مباراة فى الجزائر.
فتحوا السفر بالمجان لضمان تدفق هائل ونوعية متدنية سلوكياً من المشحونين ضد
مصر والراغبين فى الانتقام.
سيطروا باكراً على الخرطوم سواء بإغواء ورشوة الكثيرين من الفقراء أو
إرهابهم بالقوة والعنف. مارسوا أكبر قدر من التخويف للجماهير المصرية الطيبة
أصلاً، لأن من سافروا ليس هم جمهور كرة القدم الحقيقى.. ودخل المصريون إلى
المدرجات مذعورين وجلسوا صامتين يتلفتون حولهم خشية الاعتداءات من أى جانب.
لم يتركوا الفراعنة بلا ممارسات عنيفة وحطموا زجاج حافلتهم بعد أول تدريب لهم للتأكيد
أن إيديهم طايلة. تخويف الحكم بالإشاعة أنه ساعد مصر قديماً.. والنزول إلى أرض
الملعب أثناء قيامه وزملائه بالإحماء والاقتراب منه حاملين علم الجزائر للتأكيد أنهم قادرون
على الوصول إليه فى أى لحظة. وأخيراً تلقين المصريين درساً قاسياً
شاملاً كل عناصر الإيذاء بعد المباراة للثأر من خسارتهم فى القاهرة.
هذا ما خططوا له وفعلوه بكل تفاصيله. فارق شاسع بين من يفكر ويحسب ويستعد
وينفذ حتى لو فى الشر، وبين من يلهو ويحلم وينافق فيسقط ويصرخ ويشكو.
كان درسا بكل المقاييس..
والفائدة الأولى منه هو كيفية التعامل مع تلك النوعية من المباريات المقامة فى
ملاعب محايدة.تعالوا نعرف ماذا نفعل.تجهيز الجمهور المناسب للسفر والحضور
والتشجيع.. وليس جمهور البسكويت والاحتفالات. السيطرة على الجزء الأكبر من
الملعب سواء بالجمهور المصرى أو بإغواء وترغيب الجمهور المحلى للمدينة.
التأمين الكامل للجمهور والفريق قبل وأثناء وبعد المباراة.. ولدينا من القوات
الخاصة التى يمكن أن تسافر بالزى العادى لتؤدى مهمتها فى صمت وفى قوة.
عزل الفريق عن تلك الأجواء وتوفير أعلى قدر من الحماية ليشعر لاعبونا أنهم
بين جمهورهم وفى ديارهم. نعلم أنها كرة قدم وأن الروح الرياضية مطلوبة.
ولكن الظروف غير الطبيعية تفرض عليك سلوكيات وتصرفات غير طبيعية أيضاً.
والدرس الثانى فى كيفية التعامل مع مباريات الجزائر فى المستقبل..
سواء كانت فى الجزائر أو فى مصر أو فى أرض محايدة.
خسارة مباراة أو بطولة ليست نهاية العالم. ومصر أكبر من أى نصر
رياضى على أى صعيد. ولكن العاقل هو من يقوم بعد كل سقوط.. ويصبح
أكثر صلابة.
انظروا الآن إلى المستقبل.. ولا تتركوا للغضب كل المساحة فى عقولكم
ليشغلنا جميعاً عن الاستفادة من درس الماضى.