أكان.. لابد يا نجلاء؟

بقلم/
محمـــود سعـد



منك لله يا زوجتي..

أكان لابد..

أفسدت كل شيء.. وهي لا تدري..

فقد
حدثت مفاجأة من العيار الثقيل.. لا أدري كيف ومتي وأين.. لكنها حدثت دون
سابق إنذار.. وكان اللقاء الذي لم أتوقعه وكان الخبر المدهش والمثير..
لكنها زوجتي التي تتسم - كما قال كريم عبدالعزيز في فيلم ولاد العم - تتسم
بالصفة الأساسية للزوجة المصرية وهي صفة النكد!!!

لا تسألوني عن
التفاصيل.. ولا عن الرجل الواصل الذي التقيته ذات صباح.. وجدت كل شيء
معداً للقاء.. وأنا وفجأة أمام الرجل.. نجلس علي مقعدين أنيقين وأمامنا
منضدة خشبية راقية الصنع أظن أنها خشب الأرو الفاخر.. وأمام الرجل مشروب
في كأس زجاجية كريستالية فائقة الجمال وبداخلها شيء لونه قد يكون عسلياً
أو بنياً ولا يملأ الكأس وإنما الذي يملأ الكأس هو الثلج.. والحق أنني لا
أدري إن كان المشروب حلالاً أم حراماً.. ولكن لا أستطيع التعليق.. فالرجل
الواصل يفعل ما يحلو له.. وليس في استطاعتي مناقشته.. هو من الوصول لدرجة
تجعلني أخاطبه يا أفندم وأوافق تمامًا علي كل ما يقوله.

المهم..
أنه يجلس بعظمة ويتكلم بهدوء.. ويحتسي مشروبه وأنا طلبت بخجل شديد فنجاناً
من القهوة السادة رغم أنني أشربها «مظبوطة» ولكنه فزع الجلوس أمام رجل مهم.

والمهم..
مرة أخري.. أنه سألني: إيه أخبار الناس يا محمود؟!.. فقلت بكل ثقة ولا
تردد: كله تمام.. الأحوال فل الفل.. ولا ينقص الناس إلا أن ترضي عنهم
الحكومة التي تبذل كل الجهد لإسعادهم.. والأسعار تمام والمرافق في أحسن
حال.. فقاطعني قائلاً:

ده معروف ومفهوم وكل الناس الكبار في البلد عارفين كده.. بس عايز أعرف الناس بتتكلم في إيه؟!

وأدركت
أنني تحولت إلي مخبر.. وبدأت أنزعج من اللقاء.. وقلت في نفسي «قول يا
ولا».. ولا يهمك فقلت وبعد لحظات صمت حاولت أن أتمالك فيها نفسي.. وأختار
ألفاظي بدقة.. قلت:

والله.. أصل يعني.. أحياناً كده.. قلة منحرفة
من الناس.. يعني ناس وحشة شوية.. لأ وحشة كتير.. ساعات كده يسألوا عن
الانتخابات اللي جاية.. وطبعاً مش انتخابات مجلس الشعب لأن معروف إيه اللي
بيحصل فيها.. وضحكات علي اعتقاد أن الراجل الواصل سوف يضحك.. لكنه لم يضحك
وأمسك بالكأس وشرب.. وأكملت في خجل.. بيسألوا عن انتخابات الرئاسة اللي
جاية.

وإذا بالرجل.. ينظر لي في غضب.. وبحلق عينيه وقال وهو في أشد
الاشمئزاز مني.. الناس دي عايزة إيه بالظبط.. مش كل شيء في البلد ماشي
كويس.

قاطعته.. طبعاً يا أفندم.

قال: طب ليه بقي الأسئلة والإشاعات والكلام الفارغ ده.

فقلت
له بجدية شديدة: مش قلت لسيادتك ناس وحشة.. وإذا به يهدأ.. ويبتسم ويقول
لي أنا أعرف أسرار البلد كلها وعارف القيادة السياسية ح تعمل إيه وكل شيء
محسوب ومخطط له.. بس مقدرش أقول الأسرار دي.

فقلت هامساً: يا أفندم السر في بير.. احنا كلنا تلامذتك.

فقال: يا محمود الحاجات دي خطر جداً.

فقلت: يا أفندم أنا مدرك ذلك.. ويمكن لو عرفت السر، يمكن أدفع الناس بشكل غير مباشر للكف عن الأسئلة.

فقال
وبصوت هامس: القيادة ح تعمل أعظم حاجة في تاريخ مصر.. حاجة محصلتش في
التاريخ المصري أبداً.. لكن القيادة تختار الوقت المناسب للإعلان عن هذا
الحدث الجلل.

فقلت وقد أخذني حب الاستطلاع وأخذتني رغبة شديدة في معرفة هذا السر الخطير.

قلت: إزاي يا أفندم؟!

قال وبصوت هامس أيضاً وبعد أن نظر حوله ووجد رجال الحراسة يقفون بعيداً ولا يمكنهم سماع صوته.

قال:
شوف يا سيدي القيادة قررت ألا تدخل الانتخابات في المرة المقبلة.. وده
قرار نهائي.. ولن يدخل الانتخابات حد من الأسرة علشان إنت سمعت الرئيس
بيتكلم ألف مرة عن إنه مفيش توريث.. والرئيس قرر أن يترك الحزب والحكم
ويستريح بعد عناء سنوات طويلة في خدمة الناس والبلد.

قاطعته وقلت: فعلاً يا أفندم والتاريخ يشهد علي ذلك.

ابتسم
وقال: الرئيس سوف يدخل التاريخ من أوسع أبوابه؛ لأنه ح يكون أول رئيس مصري
يشرف علي انتخابات حرة نزيهة لا مصلحة له فيها.. ويكون أول رئيس يغادر مقر
الرئاسة واقفاً علي قدميه ويسلمه لرئيس جديد.

ووسط دهشتي قلت: يصعب علينا فراق الرئيس.. ولكن هذا قرار تاريخي.. في اعتقادكم متي يعلنه الرئيس؟

فقال: أظن أنه..

وفجأة إذا بمن يزغدني في كتفي.. إنها زوجتي تقول عبارتها الصباحية.. «محمود اصحي.. القهوة ح تبرد»..

فقلت وأنا بين اليقطة والنوم.. استني الراجل ح يقول إمتي.. ولكنها أيقظتني.. وضاع الميعاد.. الآن لابد يا نجلاء..

وأمسكت باللحاف.. إنه الحلم إذاً..

لقيته منام.. وحلم وطار مع الأحلام.

يا ريته دام. ودام نومي

هل منكم من يتأمل معي قول الله عز وجل..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم «إنها أمتكم.. أمة واحدة»

صدق الله العظيم.