الكل واحد.. مبارك أو البرادعى.. مكرم أو ضياءبقلم/ياسـر أيــوبالأربعاء، 16 ديسمبر 2009
ليست أزمة إعلام رسمى أو خاص ومستقل.. ولكنها أزمة إبداع.. وما جرى بشأن الدكتور
محمد البرادعى والإهانات التى تلقاها بمجرد إعلانه ترشيح نفسه للرئاسة.. أو بشأن
انتخابات نقابة الصحفيين أول أمس ومن تحمس لمكرم محمد أحمد ومن تعاطف مع ضياء
رشوان.. وقبلهما بشأن أزمة مصر مع الجزائر فى ساحات كرة القدم وما
وراءها.
هو إعلان كاشف وفاضح لأزمة الإبداع التى يعيشها الإعلام المصرى
مكتوبا ومقروءا.. إعلام - مع استثناءات قليلة هنا وهناك- بات عاجزاً عن تسويق
أفكاره وقضاياه ومصالحه بكفاءة واقتدار وأناقة ورقى.. ولعل كل من يتابع كيف تعامل
الإعلام المصرى مع إعلان البرادعى مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية سيدرك ويكتشف ما
أقصده من معان وعنوان.. ومبدئياً لا أقر أن يكون كل الناس مع الرئيس مبارك مرشحا
لفترة رئاسة أخرى.. فتلك ديكتاتورية لا يمكن قبولها والإقرار بها..
وليست الديمقراطية فى المقابل أن نكون كلنا مع الدكتور محمد البرادعى.. فذلك يصبح تكراراً
ولكن بشكل مختلف لنفس الديكتاتورية التى نرفضها من أو مع الرئيس مبارك.. ولكن
المشكلة التى تخصنا فى مصر هى كيف نكون مع مبارك أو مع البرادعى.. فالذين مع مبارك
تخيلوا أن السلاح الوحيد الذى يملكونه هو أن يهيلوا التراب والوحل على البرادعى،
وأن يتحول الكتاب والصحفيون الحكوميون الكبار إلى مخبرين فاسدين يحترفون تلفيق
الاتهامات وإطلاق الشائعات.. ولم يتخيل هؤلاء الصحفيون والمخبرون أن كل حجر ألقوه
فى وجه البرادعى قد تحول فى الشارع المصرى إلى وردة..
لأن الذين ألقوا بالحجارة
وأفرطوا فى شتائمهم غاب عنهم قصائد المديح التى تسابقوا عليها إشادة بالبرادعى
كمدير لوكالة الطاقة الذرية أو كرابع مصرى يفوز بجائزة نوبل.. وقتها لم يقل
المخبرون إن البرادعى كان فاشلاً فى الكلية ولم يسحبوا الجنسية من الرجل.. لكنه كما
سبق أن أشرت.. إعلام ردىء وعاجز لا يفتقد فقط الذوق واللياقة.. وإنما يفتقد الذكاء
أيضاً.. وعلى الجانب الآخر.. كان هؤلاء الذين مع البرادعى غير مهمومين بأى شىء على
الإطلاق إلا شتيمة الذين يشتمون البرادعى.. وبالتالى لم يعد هناك فارق حقيقى بين
المعسكرين.. وإن حذفنا الأسماء.. مبارك والبرادعى.. فسنجد أننا أمام معسكر واحد فى
حقيقة الأمر.
إعلام فى عمومه قليل الحيلة وعاجز تماما عن ترويج مرشح مقتنع
به، أو إعلان الحرب على مرشح منافس.. إعلام أبداً لا يرى الآخر ويعجز طول الوقت
عن مواجهته والتحاور معه.. وقد رأينا إعلاميين كباراً فى معركة البرادعى وانتخابات
الرئاسة يشتمون البرادعى ويحذرون من السير وراءه بدعوى التغيير لأن التغيير فى
رأيهم يعنى الفوضى..
ثم رأينا نفس هذه الأسماء والوجوه فى معركة نقابة الصحفيين تقف
مع ضياء رشوان لأن التغيير ضرورة حياتية وحتمية ولأن المجتمعات التى لا تتغير ولا
تغير هى مجتمعات مرشحة طول الوقت للسقوط والموات.. ورأينا فى المقابل إعلاميين
معارضين لمبارك ويرفعون البرادعى فوق أسنة رماحهم وأقلامهم لأنهم يريدون الوجوه
الجديدة والرؤى الجديدة ولأنهم ضاقوا بالأسماء والوجوه التى أبداً لا تتغير..
ولكنهم فى الوقت نفسه كانوا فى انتخابات الصحفيين مع النقيب القديم مكرم محمد أحمد
ويحاربون بضراوة وجها جديداً اسمه ضياء رشوان.. وحين تتابع ذلك كله لم تعد تعرف
هل هو فعلا إعلام يريد التغيير أم يحافظ على الاستقرار.. هل هو إعلام فعلا يؤمن
بالديمقراطية أم أنه يطلبها حين تكون فى صالحه فإن لم توافق هواه انقلب عليها
عاجزاً عن قبول آخر ليس تابعا له.. لكنه بالتأكيد إعلام جاهل وغير مستعد لبذل
أى جهد لكى يعرف، حتى لكى يشتم بشكل صحيح ودقيق.