من قتل جمال عبد الناصر؟

بقلم/
ابراهيم عيسى

رجل عمره بالضبط 52 عامًا و8 أشهر و13 يوماً ويموت
دون مقدمات ولا تداعيات وفجأة وبسبب مرض السكر، هذا ما لا يصدقه أحد
ببساطة، فإذا عرفنا أن هذا الرجل هو جمال عبدالناصر الرئيس المصري الذي
يمثل وجوده تحدياً لكل مشروعات إسرائيل في التوسع والهيمنة علي المنطقة
ولخطة أمريكا في السيطرة علي الشرق الأوسط، فإننا لابد أن نشك في أن وفاته
ليست طبيعية،

فإذا كان هذا الرجل الرئيس هو من دبرت أجهزة المخابرات
الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية عشرات المحاولات لاغتياله فعلا، ثم
إذا كانت هذه المحاولات والخطط يتم إذاعتها ونشرها في وثائق رسمية بعد فض
سريتها طبقاً لقانون تداول المعلومات في أمريكا وبريطانيا، فإننا لا يجب
ألا نستمر في تغفيلنا كل هذا الوقت بكل هذا الصمت!

لا يعنينا هنا كوننا نحب عبدالناصر أو نكرهه، أضاف
للأمة أم حذف منها، بناها أم هدمها، كل هذه خلافات يجب أن تتنحي جانباً
مقابل حقيقة أن رئيس دولتك وزعيم بلدك تم اغتياله ثم الصمت والتواطؤ علي
هذا الاغتيال، ولأننا صمتنا علي قتل عبدالناصر فقد قتلوا ياسر عرفات وسط
رجاله وحراسه ومساعديه الذين باعوا زعيمهم وخانوه، إما بمشاركة في قتله
بالسم أو في السكوت علي عملية اغتياله أو بالتدليس والتواطؤ علي قفل باب
التحقيق؛ فهم قَتَلَة عرفات قبل أن تكون إسرائيل قد قتلته!

جمال عبدالناصر تم اغتياله، ولم يمت تلك الميتة الطبيعية التي سجل الأطباء
أسبابها ومظاهرها في تقاريرهم الطبية التي لا أشك أنها منضبطة وصادقة من
وجهة نظرهم أو علي حد علمهم ساعتها، لكن قرائن كثيرة وربما أكيدة تكشف عن
أن الرجل كان لابد له أن يموت كما قرر أعداؤه، وأنهم لما أدركوا عدم
قدرتهم علي تصفيته في حرب يونيو 1967رغم كارثة الهزيمة وانسحاق جيشه أمام
عدوه فإن الرجل خرج من المحنة صلباً متمكناً علي عرشه، مما دفعهم لتنفيذ
أمر اغتياله،

ذلك الذي فشلوا فيه من قبل، وها هو كاتبنا الكبير محمد حسنين
هيكل يحكي متأخرا جدا عن اللحظة التي توجه فيها أمين هويدي ـ مدير
المخابرات العامة المصرية ـ إلي منزل الرئيس عبد الناصر في يوم 6 من
ديسمبر 1969 ومعه تسجيل لحديث دار بين الوزير المفوض الأمريكي في سفارة
الولايات المتحدة في إسرائيل ومديرة مكتبه مع السفير الأمريكي في القاهرة
ومندوب المخابرات المركزية الأمريكية في السفارة الأمريكية في القاهرة،

واستمع الرئيس عبد الناصر بنفسه إلي الحديث الذي جاء فيه أن عبدالناصر هو
العقبة الرئيسية في قيام علاقات طبيعية بين المصريين والإسرائيليين، وأن
قادة إسرائيل (جولدا مائير، موشي ديان، أهارون ياريف، إيجال أللون) أجمعوا
علي أن بقاء إسرائيل ونجاح المشروع الأمريكي في المنطقة مرهون باختفاء
الرئيس جمال عبدالناصر من الحياة وأنهم قرروا اغتياله بالسم أو بالمرض،
استمع عبدالناصر لخطة اغتياله قبيل وفاته بحوالي 10 أشهر.

وحكي
الدكتور رؤوف عباس ـ رحمه الله ـ عن محضر الجلسة الأولي من محاضر اجتماع
حلف شمال الأطلنطي في شتاء عام 1964 والتي عقدت لمناقشة ورقة العمل
التركية التي أعدها وزير الخارجية التركي وتحمل عنوان (تصفية عبدالناصر).

ويعرض
الصحفي عمرو صابح لوثيقة بتاريخ 27 من ديسمبر 1966 وتحمل الوثيقة رقم 342
من أرقام وثائق مجلس الوزراء السعودي وهي مرسلة من الملك السعودي فيصل بن
عبدالعزيز إلي الرئيس الأمريكي ليندون جونسون وهي منشورة في كتاب (عقود من
الخيبات) للكاتب حمدان حمدان،

وفيها يقول الملك العربي مخاطبًا الرئيس
الأمريكي: من كل ما تقدم يا سيادة الرئيس ومما عرضناه وبإيجاز يتبين لكم
أن مصر هي العدو الأكبر لنا جميعًا، وأن هذا العدو إن تُرك يحرض ويدعم
الأعداء عسكريًا وإعلاميًا، فلن يأتي عام 1970، كما قال الخبير في إدارتكم
السيد (كيرميت روزفلت)، وعرشنا ومصالحنا في الوجود.

هناك كتب ووثائق وشهادات كلها تشير ثم تترك لنا أن نصل
لتأكيد أن عبدالناصر مات مسموماً أو مقتولاً!

المدهش
أن كثيرين جداً من كارهي عبدالناصر يلحُّون حتي الآن في سؤال مشروع وطبيعي
ومنطقي مفاده: هل انتحر المشير عبدالحكيم عامر أم نحره عبدالناصر ونظامه
وقتلوه؟ ورغم كل ما قيل في هذا الملف فلا يزال مفتوحاً علي سؤال يشتهي
الإجابة، لكن هناك علي الناحية الأخري تجاهل خطير ومريب لاغتيال جمال
عبدالناصر وكأن الدنيا كلها تريد أن تكتم هذا السر!!

لا أعرف مدي فضول
ورغبة أسرة الرئيس جمال عبدالناصر في الكشف عن سر اغتيال والدهم لكنني
أعرف أن كل مصري يجب أن يطلب تحقيقاً حقيقياً وشاملاً لمعرفة كيفية اغتيال
جمال عبدالناصر أو ربما يقطع التحقيق بأنه مات بالسكر.

إن إسرائيل
لا تترك رفات عميل أو جاسوس لها أو جندي عسكري في جيشها مات أو قتل منذ
نصف قرن إلا وتبحث عن رفاته وتطلب دفنه في ترابها وتقايض بالجثث أسري
ومعتقلين أحياناً، فكيف لا يكون زعيمنا المغدور والمقتول عزيزاً علي شعبه
حتي يعرف حقيقة موته؟!، فهل يأمر الرئيس حسني مبارك بفتح التحقيق في
اغتيال جمال عبدالناصر؟ فهذا أقل ما تفعله مصر من أجل زعيمها الراحل!!

ميرسى جدا
ومقالات ابراهيم عيسى دايما مفيدة