قائمة النيويورك تايمز.. التى تفضح سذاجتنا وصحافتنا
بقلم/ياسـر أيــوبالأربعاء، 23 ديسمبر 2009 - 19:02
لا أتخيل أننا توقفنا بالشكل الكافى واللائق أمام الدراسة الكبرى والرائعة التى
قامت بها جريدة النيويورك تايمز لاختيار خمسة وعشرين شخصية غيروا حياة الناس فى
العالم كله خلال العشرين عاما الماضية.. صحيح أن بعضنا تابع هذه الدراسة وقرأها
متعجلا، ولم يجد فيها ما يستدعى التوقف والاهتمام إلا شخصية مصرية وحيدة ضمتها تلك
القائمة.. أيمن الظواهرى الذى احتل المرتبة الحادية والعشرين.
وبررت الدراسة
اختياره بزعامته لتنظيم القاعدة وبأنه الإرهابى الأول الذى علم الناس الخوف.. لكننى
لا أوافق على هذا الرصد ولا هذا الاهتمام السطحى باختيار الظواهرى.. وبدلا من ذلك
أتوقف أولا عند الذين ضمتهم تلك القائمة.. فليس هناك من بينهم أى رئيس أو حاكم..
وهو ما يعنى أنه ليس القادة السياسيون أو الرؤساء والملوك هم الذين يؤثرون فى حياة
الناس.. ولم تضم تلك القائمة أيضا أى ممثل أو مطربة أو لاعب كرة.. وهو ما يعنى أن
الإعلام المصرى لا يزال ضحية لقواعد وأفكار غبية تتخيل أن حياة الناس فى مصر لا
تحركها أو تحددها إلا أفلام النجوم وأجساد المطربات وأقدام لاعبى الكرة.
وقد
يكون مفاجئا لمعظم الناس فى مصر أن الذى تم اختيارهما على رأس تلك القائمة كانا
لارى باج وسيرجى برين.. مؤسسا موقع جوجول على شبكة الإنترنت.. وبعدهما كان ستيف
جوبز الذى نجح فى التغلب على سرطان البنكرياس ليعود للحياة ويخترع آى تون وآى بود
وآى فون ويحدث ثورة عالمية سواء فى عالم الموسيقى أو التليفونات المحمولة
والاتصالات.. ومع هؤلاء فى نفس القائمة سنجد جيمى ويلز الذى شارك فى تأسيس موقع
ويكيبيديا على شبكة الإنترنت.. وجيف بيزوز الذى أسس موقع أمازون لبيع الكتب عبر
الإنترنت.. وويل رايت أحد أكبر وأشهر مصممى الألعاب الإلكترونية..
وكان اختيار كل
هؤلاء يعنى أن الإنترنت بات هو الساحة الحقيقية الآن لتغيير العالم وقيادته
والتأثير فيه وإعادة تشكيله من جديد وفى جميع المجالات.. ولم يكن مفاجئا لى أن يعلن
باحثو مركز بيركلى بجامعة هارفارد الأسبوع الماضى أن الإنترنت هو الذى سيقود قريبا
ثورة الديمقراطية فى مصر.. ولكننى فقط أختلف فى أن الإنترنت فى مصر سيقود ثورة
الديمقراطية فقط.. وإنما أيضا ثورات الصحافة،والسينما، والغناء، والاقتصاد، والأدب،
والعلاقات الاجتماعية.. كان اختيار هذه العقول يعنى أيضا أن الذى يؤثر فى الناس
وواقعهم وحياتهم لا يزال هو الأكثر قدرة على التفكير والابتكار والخيال والإبداع،
حتى بدون أى صخب أو ضجيج، حتى لو لم يحفظ الناس أسماءهم أو ملامحهم..
وواضح تماما أن هذا هو الفارق الحقيقى بيننا وبينهم فى الغرب.
نحن هنا لا نزال نساق
بالصوت العالى.. بالألوان الفاقعة.. تأخذنا الفضائح والأسرار الشخصية ولا نرى الناس
إلا من خلال ثيابهم الداخلية وليس عقولهم أو تفكيرهم.. فعلى سبيل المثال يمكن
بمقارنة بسيطة أن نكتشف سذاجة تفكيرنا وسطحيته إن عقدنا مقارنة سريعة بين ما كتبته
الصحافة المصرية عن تاريخ تسيبى ليفنى وزيرة خارجية إسرائيل السابقة حين كانت عميلة
للموساد تستخدم جسدها للإيقاع بالعرب.. وبين ما كتبته نفس الصحافة عن سياسة وزيرة
لخارجية إسرائيل تعادى كل الدبلوماسيين ووزارات الخارجية العربية فوق خريطة العالم
من أمريكا إلى أفريقيا إلى الصين.. وبمناسبة الصحافة والإعلام..
أود العودة مرة
أخرى إلى قائمة الأكثر تأثيرا فى العالم.. فهناك كارل روف الكاتب السياسى فى جريدة
وول ستريت جورنال.. وهناك أريانا هوفينجتون رئيسة تحرير هوفينجتون بوست.. وهناك
مالكولم جلادويل الكاتب فى صحيفة نيويوركر.. فكل هؤلاء اختارتهم النيويورك تايمز
كبعض أكثر الذين أثروا فى الناس وغيروا العالم خلال عشرين سنة مضت.. وهو أمر أراه
أنا بمثابة رد اعتبار للصحافة.. فالصحافة بعد لم تمت.. لا هناك ولا فى أى مكان آخر.