جرى إيه يا دكتور إبراهيم؟!

بقلم/
سليمان جودة



الوقوف طويلاً عند الأحاديث الصحفية التى
جرت مع نجوم السياسة، من أمثال الدكتور البرادعى، وعمرو موسى، ومنصور حسن،
ليس معناه غض البصر عن أحاديث أخرى مهمة للغاية، كانت قد جرت فى «المصرى
اليوم» مع نجوم القانون، ويأتى على رأسهم الدكتور إبراهيم درويش،

الذى يظل
واحداً من ثلاثة كبار، كانوا قد تولوا رئاسة ثلاث لجان عام 1971،
بهدف إقرار دستور جديد للبلد، يضعه على بداية الطريق الصحيح، فلما صدر
دستور 71 الدائم، تبين له ولزميليه بالضرورة، ثم لسائر أعضاء اللجان، أن
ما كانوا قد اجتمعوا من أجله، وما قالوه فى اجتماعاتهم جميعاً كان مصيره
فى مثل مصير مشروع دستور 1954 من قبل!

ذلك أن الثورة، حين قامت عام 1952، أرادت أن تضع دستوراً جديداً للبلد،
وشكلت لجنة اشتهرت وقتها بأنها لجنة الخمسين، لأنها كانت تضم خمسين عضواً
من فطاحل مصر، فى كل اتجاه، وكان منهم على سبيل المثال طه حسين، وقد انتهت
اللجنة مما كانوا قد كلفوها به فعلاً، ووضعت دستوراً يقيم فى بلدنا قواعد
جمهورية برلمانية يكون فيها رئيس الوزراء مسؤولاً عن وضع السياسات وعن
تنفيذها، ويبقى رئيس الدولة رمزاً، لا يتدخل فى عمل السلطات الثلاث!

وما حدث، أن رجال الثورة أخذوا مشروع الدستور، وشكروا الذين اجتهدوا
فيه، وأفهموهم بصنعة لطافة أن دورهم قد انتهى إلى هنا، وأن المتبقى من
الطريق حتى صدور المشروع فى صورة دستور متكامل، ليس من شأنهم، وإنما من
شأن رجال السياسة طبعاً!

فلما صدر دستور 1956 بعدها بعامين، لم تكن هناك أدنى علاقة بينه وبين
مشروع 54، ولم يفهم أعضاء لجنة الخمسين، فى ذلك الوقت، سر عدم وجود صلة
تماماً بين مشروعهم الذى سهروا عليه، وبين دستور 56 الذى كان قد صدر، وجرى
اعتماده فعلاً.. ولابد أن الذين ظلوا منهم أحياء، فيما بعد، قد اكتشفوا
السر، حين عثر الأستاذ صلاح عيسى على مشروع الدستور إياه، فى سلة قمامة،
فى مقر معهد الدراسات العربية بقصر العينى!

المشهد نفسه تكرر بحذافيره مع الدكتور إبراهيم درويش وزملائه، الذين
كانوا قد وضعوا أساساً محترماً لدستور 1971، فإذا بهم بعد صدور دستورنا
الدائم الحالى، فى ذلك العام، يكتشفون أن ما كانوا قد قالوه فى اجتماعات
لجانهم، لم يكن من وجهة نظر رجال السلطة إلا لغواً ينبغى القفز فوقه،
وتجاهله، والقذف به فى المكان نفسه الذى كان مشروع دستور 54 قد
استقر فيه من قبل!

وكانت النتيجة، أن السلطة التشريعية التى تتمثل فى مجلس الشعب قد جرى
تشكيلها فى أغلبها، على مدى هذه السنين، من عام 1954 إلى اليوم،
بالتعيين أو بما يشبه التعيين، وعندما جرت انتخابات 2005، على سبيل
المثال، فإن الحزب الوطنى فاز بـ36٪ فقط من إجمالى الأعضاء الناجحين، وكان
الحل الذى لجأ إليه، هو ضم الذين نجحوا على أنهم مستقلون إلى عضويته،

فلما كتب الدكتور إبراهيم درويش يقول إن كل عضو ارتكب جريمة الضم إلى
الحزب الوطنى يجب إسقاط عضويته، لأنه خان عقداً بينه وبين الناخب عند
انتخابه، فإن كمال الشاذلى رد عليه وقال: «جرى إيه يا دكتور إبراهيم..
دول ولادنا وزعلوا مننا، ورجعوا لنا، وأخدناهم فى حضننا، وقعدناهم على رجلينا!»

فما معنى هذا؟!.. معناه أنه لا رقابة فى البرلمان، ولا تشريع،
وأن على الدنيا السلام!