المخدوعون بقلم/سليمان جودة Sat, 23/01/2010 - 08:00
قد يكون مهماً،
أن يقال على لسان رئيس لجنة الصحة فى البرلمان الأوروبى، إن
أنفلونزا الخنازير كانت خدعة كبيرة، وأن تصويرها للناس فى وسائل
الإعلام، على مستوى العالم، لم يكن بقدر حقيقتها على الأرض، وإنما
كانت هناك مبالغة هائلة فى تسويقها بين الملايين، فى شتى الدول، وكان
هناك ما يشبه التواطؤ بين شركات الدواء العالمية من ناحية، وبين منظمة
الصحة العالمية، من ناحية أخرى، وأن الضحايا كانوا هم الذين صدقوا أن
أنفلونزا الخنازير، كمرض، بهذا الحجم الذى كانت وسائل الإعلام تتحدث
عنه طول الوقت!
والشىء المذهل، أن النغمة نفسها فى الكلام عن المرض، التى تكلم بها
رئيس لجنة الصحة فى البرلمان الأوروبى، قد تكررت بعدها بساعات، على
لسان الرئيس السابق لمركز أنفلونزا الخنازير التابع للصحة العالمية فى
الشرق الأوسط!
وما كاد هذا يحدث، حتى سمعنا عن دول تتوقف عن استيراد المصل الواقى من
المرض، وسمعنا عن دول أخرى راحت تتخلص مما كانت قد استوردته فعلاً، أو
من جزء منه على الأقل، بل رأينا أننا فى مصر بعدها مباشرة، قد قررنا
وقف الإجراءات التى كانت المطارات تتخذها خشية دخول مصاب بالمرض إلى
البلد!
وما يجب أن ننتبه إليه، أنه إذا كان ما قيل فى أوروبا عن أن الموضوع -
من حيث طريقة تصويره - خدعة، أو ما يشبه الخدعة، مهماً فى حد ذاته،
فالأهم منه على الإطلاق، أن نلتفت جيداً، إلى المسافة الزمنية التى
فصلت بين ظهور المرض، فى أبريل الماضى، وبين بدء الكلام عن الخدعة،
والمبالغة، والتواطؤ، والتآمر.. إلى آخره!
المسافة الزمنية لا تكاد تصل إلى عام كامل، بل هى عدة شهور لا أكثر،
بما يعنى أن الخدعة لديهم، لم تستمر أكثر من شهور، ولم يكتمل لها
العام، وإنما انكشفت فى زمن قصير جداً، وقد تكون المفارقة المدهشة
أيضاً، أنهم هم الذين كشفوها، وأنهم هم الذين بادروا وتكلموا، ولم
يتركوا كشف الخدعة لغيرهم!
وفى المقابل، نجد أننا هنا نعيش فى أكثر من خدعة، ليس لشهر، ولا لعام،
ولا حتى لعشرة أعوام.. إننا نعيش مخدوعين من خمسين عاماً وأكثر.. نعيش
فى ظل دستور لا علاقة بينه وبين العصر، منذ عام 1956، إلى الآن، بما
يعنى أننا مخدوعون من ذلك العام، إلى اليوم، دون أن نتمكن من نسف هذه
الخدعة أو حتى كشفها!..
ونعيش ابتداءً من مطلع الستينيات فى ظل خدعة كبيرة اسمها 50٪ عمال
وفلاحين فى البرلمان، ولانزال إلى هذه اللحظة نتعامل معها على أنها
حقيقة، بما يعنى أننا مخدوعون ولا نعرف أننا مخدوعون، فى حين أنهم هناك
كانوا مخدوعين، ويعرفون أنهم مخدوعون،
وبالتالى فإن الأمر معهم لم يستغرق شهوراً، حتى كان قد انكشف.. نعيش
من عشرات السنين فى ظل خدعة كبيرة اسمها مجانية التعليم، ولا نريد أن
نواجه أنفسنا بشجاعة، ونعترف بأن مجانية من هذا النوع ليست موجودة
مطلقاً فى مدارسنا وجامعاتنا، ولا أحد لديه مشكلة طبعاً فى أن نتكلم
عن مجانية فى المدارس والجامعات، بشرط وحيد، هو أن تكون هناك مجانية
فعلاً، لا أن تكون وهماً، وساعتها، سوف نبصم عليها، وسوف نباركها
جميعاً، بشرط وحيد مرة أخرى، هو فقط أن تكون موجودة!
نحن مخدوعون.. مخدوعون.. مخدوعون.. ولا أحد من خارجنا
يخدعنا، وإنما نحن نخدع أنفسنا بأنفسنا!
الخدعة عندهم لها تاريخ صلاحية، مثل أى دواء صالح للاستهلاك الآدمى..
والخدعة عندنا مدى العمر، بلا تاريخ، وبلا صلاحية