الفقه الغائب

موضوع: الفقه الغائب 2010-01-25, 5:02 pm

الفقه الغائب

بقلم/
سليمان جودة

٢٥/ ١/ ٢٠١٠

لماذا تنجح دولة هناك، ولا تنجح دولة هنا، مع افتراض أنهما
متساويتان فى امتلاك الإمكانات التى تؤهلهما للنجاح معاً؟!
سوف يعود السبب فى الغالب إلى وضوح الأولويات، وكذلك دقة ترتيبها
لدى السلطة الحاكمة فى جانب، ثم اختلالها، ولخبطتها فى جانب آخر!وسوف
لا يكون هناك خلاف، على أن الأولوية دوماً، هى تحقيق الصالح العام للمواطن
فى بلده،

ولكن المشكلة سوف تأتى بعد ذلك، حين ترى السلطة الحاكمة فى بلد،
أن تحقيق هذا الصالح العام، لا يكون بغير تأهيل المواطن جيداً، من خلال
التعليم، ليتمكن من الحصول على فرصة آدمية فى العمل، وفى الحياة، وسوف
تأتى المشكلة أيضاً فى ناحية أخرى حين تتصور السلطة الحاكمة فى بلد آخر،
أن مجرد وجودها فى الحكم، يحقق مصلحة المواطن، وتتخيل السلطة ذاتها أن
الحكم غاية فى حد ذاته، وليس وسيلة لإتاحة الفرص الكافية لأى مواطن!

الحكم
يتعين أن يظل وسيلة، ولا يجوز أبداً أن يكون غاية، وحين يكون وسيلة فإن
الاستثمار ـ مثلاً ـ يصبح أولوية لدى الحاكم والذين معه، ويصبح تشجيعه
داخلياً، وإغراؤه للمجىء من الخارج، هدفاً لا يغيب عن أعين الذين يحكمون،
ويصبح الارتقاء بمستوى المواطن من خلال التعليم وحده أولوية لا تنازعها أى
أولويات أخرى، مهما كانت أهميتها!

ولكن الأولوية بهذه الطريقة، لا
تأتى وحدها، ولا تتحقق مصادفة، وإنما تظل فى حاجة إلى حيوية أدوات الدولة
وفاعليتها فى الوقت ذاته.. ولا يمكن أن نتصور أن تعتدل الأولويات فى
بلدنا، فى الوقت الذى يبقى فيه مجلس الشعب على حاله، من حيث كونه أداة
عاجزة، ومن حيث عدم قدرته كأداة على ممارسة الرقابة الحقيقية على أعمال
الحكومة!

لا يمكن!ولا يمكن أن تعتدل الأولويات لدى بلدنا فى غياب
معارضة حقيقية قادرة على المنافسة الجادة، وقادرة على إحراج الحزب الحاكم!
ولايمكن أن تعتدل الأولويات، ولا يمكن أن يعاد ترتيبها بما يحقق الصالح العام
لكل مواطن فعلاً، ما لم يكن الدستور فى البلد، كأداة، حياً ومعاصراً للوقت
الذى نعيشه، ومتجاوباً مع حقائق هذا الوقت!هذه الأدوات الثلاث،
ابتداء بالبرلمان، مروراً بالمعارضة، وانتهاء بالدستور، مع أدوات أخرى
كثيرة غيرها،

ليست فى الوقت الحالى على ما يجب أن تكون عليه من قوة، وصحة،
ويقظة، وحضور، ولذلك فالأولويات مرتبكة، ومضطربة ومختلطة بعضها مع بعض،
بحيث يمكنك أن تجد شيئاً فى ذيل القائمة، مع أنه يجب أن يكون فى أولها بلا
منافس!.. ولن يكون هذا الشىء إلا التعليم، ثم التعليم، ثم التعليم!

وحين
وافق مجلس الشعب، صباح الثلاثاء الماضى، على فتح اعتماد إضافى فى
الميزانية العامة للدولة، مقداره ١٠ مليارات جنيه، فإن التعليم لم يكن من
بين المجالات الأربعة التى استفادت من المبلغ، رغم ضخامته، ولا حتى
بجنيه واحد.وحين يغيب فقه الأولويات، عن الدولة، فى الإنفاق العام، على
هذا النحو الفادح، فإنها تظل تتخبط فى كل اتجاه، كأنها قد أصابها مس من
الشيطان!!

الفقه الغائب 78725687id4