شكرا لمنتخب مصر بطل أفريقيا 2010الثلاثاء، 9 فبراير 2010 - 19:28
لن يجد الرئيس محمد حسنى مبارك أى مناسبة أخرى غير الانتصارات الرياضية
ليسمع بنفسه هتافات الجماهير الصادقة باسمه وإنجازاته وكلماته.
ولن يجد نجلاه جمال
وعلاء مبارك أى فرصة أخرى غير التواجد مع منتخب مصر لكرة القدم ليعرفا أنهما
محبوبان من القطاع العريض من الجماهير العاشقة لفريقها ولاعبيها.
ولن يجد
المسئولون أولا والمدربون ثانيا واللاعبون أخيرا طريقا للاقتراب من السلطة وحصد
مزيد من النفوذ والأموال إلا بالترحيب الدائم والزائد والإشادة بالرئيس ورجال
السياسة.
هذا هو الوضع الجديد أو الصورة المختلفة محليا للعلاقة المتوترة
عالميا بين الرياضة والسياسة.
فوز منتخب مصر بكأس الأمم الأفريقية الأخيرة
لكرة القدم فى أنجولا حقق أكبر دفعة معنوية وشعبية للرئيس حسنى مبارك فى العامين
الأخيرين.. وهو الأمر الذى دفعه وللمرة الأولى فى تاريخه الرئاسى على مدار ما يقترب
من ثلاثين عاما إلى استقبال أى شخصية أو هيئة محلية مرتين فى يوم واحد.. ومنحهم
أسرع الأوسمة بعد اثنين وعشرين ساعة فقط من فوزهم فى لواندا.. أى على مسافة آلاف
الأميال من القاهرة. ولو كان الفوز فى القاهرة ربما لاستقبلهم بعد ساعة واحدة
وكرمهم فى الساعة التالية.. شاكرا لهم جميل صنيعهم له فى الشارع
المصرى.
سمعت الجماهير وللمرة الأولى اسم رئيسها فى هتاف جماعى للنجوم
المتوجين بجدارة على عرش كرة القدم الأفريقية قائلين
(زى ما قال الرئيس.. منتخب مصر كويس).
ورغم خلو الهتاف من أى معنى جديد أو أى قيمة مضافة أو أى معلومة
مفيدة لكنه وضع اسم الرئيس على كل الألسنة وبطريقة إيجابية جدا.
مبارك يعرف تماما
أن كل الزوايا العسكرية والسياسية والاقتصادية والعلمية والفنية والسياحية لا يمكن
أن تضع مصر فى الصدارة الآن.. وأن أى ضجيج تحققه زاوية من تلك الزوايا لا يقارن
أبدا فى المساحة أو الزمن أو الانتشار بالضجيج العالمى الذى حققه احتفاظ منتخب مصر
بكاس الأمم الأفريقية لكرة القدم للمرة الثالثة على التوالى.. وهو ما يجب استثماره
بسرعة وبطريقة بالغة القوة والدوى ولأطول زمن ممكن وأوسع مساحة ممكنة.
وسواء
كان الأمر بطلب شخصى وتعليمات منه أو باتجاه آخر لجوقة السلطة ومريديها ومحيطيها
تعاظمت التغطية الإعلامية للفوز بطريقة غير مسبوقة وآتت ثمارها تماما.. وخرج
الملايين إلى شوارع القاهرة والمدن والقرى فى مظاهرات حاشدة.
عرف الإعلام
كيف يحرك الشعب ويشحذ طاقاته ويوجه اهتماماته بتركيز كامل إلى كرة القدم باعتبارها
صورة مصر الأولى ونموذجها الأكثر نجاحا فى السنوات الأخيرة. ولكن القليلين من
المدركين لعمق السياسة وأبعاد الحكم تندروا على ارتفاع صوت الجميع لحدث رياضى رائع
وتجاهل أحداث أخرى أكثر تأثيرا على مصر وسمعتها عالميا، مثل كوارث السيول التى
اجتاحت شمال سيناء وجنوب الوادى.. ولم يخرج مسئول كبير من مكتبه إلى مكان الكارثة
لمواساة الضحايا وأهلهم.
جمال مبارك المرشح الوحيد لخلافة والده مولع بكرة
القدم مثل شقيقه الأكبر علاء.. ولكن جمال يبدو وقورا باستمرار فى كل مواقفه
السياسية والاجتماعية لرسم صورة ممتازة للرئيس القادم.. وهو يكسب أرضا فى الأوساط
الدولية والمواقع العليا محليا بمظهره الاجتماعى، ولكنه لا يكسب شعبية بين البسطاء
الذين لا يعرفون.. ومن ثم جاءت بطولة كرة القدم لينزع مؤقتا ثوب الوقار الدائم
والمضمون ويرتدى ثوب البساطة والتواضع بين اللاعبين والجماهير.. ويقفز مثلهم فى
الهواء بعد الهدف ويحتضن من حوله بلا تفرقة (وهو يعرف جيدا أن حراسه لا يسمحون لأحد
غير مضمون بالاقتراب منه).. ويغنى مع اللاعبين لوالده ورئيسهم.
السياسة كسبت
جدا من الرياضة فى الأسابيع الأخيرة.
وهو أمر مخطط ومدروس لحكومة لا تجد وقتا
للعناية بالجزء الأكبر المطحون من الشعب. أما الرياضيون فكانت مكاسبهم كما اعتقدوا
أكبر جدا.
ولكن الحقيقة أنها ظاهرية ومالية ومؤقتة.. وغدا يكتشفون.
سمير
زاهر رئيس مجلس إدارة اتحاد كرة القدم وجد فى التواجد والحديث مع جمال وعلاء مبارك
أعظم فرصة لتحسين صورته المهزوزة فى المجتمع.. والقفز عاليا فوق الأخطاء الفادحة
ماليا وإداريا لاتحاد الكرة المتهم باحتواء أكبر قدر من الفساد بين جدرانه وفى
جنباته وأروقته وأعماله.
وما أقوى التواجد بجوار الرئيس مبارك فى مطار
القاهرة عند وصول البعثة وفى اللقطات التذكارية وفى القصر الرئاسى.. وهو ما يبعده
ولو مؤقتا عن أى حساب مع أى شخص مهما علا شأنه فى مصر على مدار أسابيع أو شهور
تالية.
والمدربون واللاعبون أصبحوا حاليا فى مرتبة الوزراء على صعيد النفوذ
وكلهم قادرون على اختراق أعلى الأسوار وتحقيق كل الطلبات دون إبطاء من أى
جهة.
والأموال اندفعت نحوهم كالسيول التى أغرقت عشرات الآلاف فى العريش
وأسوان.. وامتلات خزائن وحسابات المدربين والنجوم مما يضمن لهم ولأهاليهم مستقبلا
مريحا بغض النظر عن أى عثرات أو مفاجآت قد يحملها المستقبل.
كأس الأمم الأفريقية فى أنجولا 2010 قدمت لمبارك وجمال وحكومتهما
أكثر مما رغبوا وربما أكثر مما حلموا.
وزاهر وحسن شحاتة والمدربون واللاعبون قفزوا فوق القوانين
واللوائح وأصبحوا ملائكة.. حتى إشعار آخر.
وكل بطولة وأنتم طيبون.