يسرى فودة
زيدان وصديقته والقبلة ونحن
حتى كتابة هذه السطور بلغ عدد القراء الذين اهتموا بالتعليق على خبر «صديقة زيدان تستقبله فى ألمانيا بقبلات ساخنة» الذى نشره موقع «اليوم السابع» قبل أيام قليلة 622 قارئاً انقسموا ما بين أغلبية ضئيلة مندهشة من هذا الفعل، وأقلية كبيرة مندهشة من رد الفعل.
ومن الواضح أن انقسام الرأى فى هذه المسألة يعود إلى انقسام المنطلق بين الدينى والأخلاقى والثقافى والقانونى والشخصى. من بين هذه المنطلقات ما الذى يمكن أن يكون قد أثار حفيظة البعض أكثر من غيره؟ هل لأن الفتاة الدنماركية ليست زوجته على سنة الله ورسوله؟ أم لأن فكرة القبلة فى حد ذاتها قلة أدب؟ أم لأنها قبلة وصفها الخبر بأنها «ساخنة»؟ هل لأنها قبلة فى مكان عام؟ أم لأنها حدثت مباشرة بعد عودة نجم الفريق القومى المنتصر من أنجولا؟ أم لأنها أتت من أحد أعضاء منتخب «الساجدين» بغض النظر عن الزمان والمكان وكل ما تقدم؟
أسئلة ستبدو فى نظر البعض سهلة، لكنها فى الواقع فى منتهى الصعوبة. وإذا استطعنا الإجابة عنها بأمانة وصدق فسنكتشف الكثير عن أنفسنا. أولاً، سيقول لك المنطلق الدينى إن هذا حرام. نعم، هو حرام، فلا يحل لرجل أن يلمس امرأة ليست زوجته، لا فى السر ولا فى العلن.
وبالمقابل، سيقول لك المنطلق الثقافى إن لدى الغربيين أسلوب حياة يجعل من مثل هذه العلاقة علاقة أقوى مما نطلق عليه نحن هنا «الزواج» بمفهومه التقليدى، ففيه الرضا، وفيه الإشهار، وفيه السكن، وفيه الحياة معاً على الحلوة والمرة، إلى حد الاعتراف القانونى به، وبما ينتج عنه وبميراث كل منهما للآخر بعد عمر طويل، بل إن فيه ما هو أكثر أهمية من هذا كله، وهو بقاء الطرفين معاً دون اضطرار؛ فالرجل المخلص الواثق من نفسه يعلم حينئذ أنها ستبقى معه لأنها فعلاً تريد ذلك، لا لأن بين يديه العصمة، ولا لأن المجتمع يستهجن المطلقات، ولا لأنه يستطيع تدمير مستقبلها. والمرأة المخلصة الواثقة من نفسها تعلم حينئذ أنه سيبقى معها لأنه فعلاً يريد ذلك، لا لأنه مربوط بـ«أورطة العيال»، ولا لأن الطلاق قد يكون مكلفاً، ولا لأنه لا يستطيع أن يجد غيرها.
وقبل أن يختلط الأمر على البعض سيكون من المفيد هنا أن نوضح أننا لا ندعو إلى استيراد هذا النمط إلى بلادنا، لكن من المفيد أيضاً أن نوضح أننا إذا كنا نتوقع من الآخرين أن يحترموا ثقافتنا وطريقتنا فى الحياة، وألا يعينوا من أنفسهم حكما علينا، وعلى رؤيتنا للشرائع السماوية والدنيوية، وللأعراف والتقاليد وعلى تفسيرنا لها، وعلى أسلوبنا فى تطبيقها، فإن من الحكمة ومن الإنصاف أن نفعل نحن أيضاً الشىء نفسه معهم.
ومن الملاحظ أن معظم الذين انتقدوا محمد زيدان انتقدوه أساساً لكونه مصرياً عربياً مسلماً، وهذا منعطف من النقاش له وجاهته، لكنه فى الوقت نفسه لا يقود إلى كثير من المعرفة، وينتهى عادة بمزيج من جدل الحريات الشخصية، وحقيقة أن الله، عز وجل، وحده هو الذى يحكم على عباده.
أما المنعطف الذى يستحق نقاشاً طويلاً فى رأينا فهو «محمد زيدان: الشخصية العامة». سنحاول ذلك فى الأسبوع القادم إن شاء الله.
إن شاء الله هبقى أجيب بقيت المقالة