مصر أم الدنيا.. لأننا نصنع الآلهةالثلاثاء، 16 فبراير 2010 - 18:54
لدينا عادة مصرية سيئة جدا وقبيحة جدا ومؤسفة جدا وقديمة جدا.. ورغم أننا
نعرفها جميعا ونمقتها جميعا.. إلا أن الأغلبية تمارسها باستمرار ومع سبق
الإصرار والترصد.
العادة هى تحويل القادة والرؤساء والزعماء والناجحين من الفنانين
والرياضيين إلى آلهة.. ورفعهم تدريجيا بالتهليل والتبجيل إلى درجة تزيد عن
مكانة البشر, وللأسف يتأثر كثيرون من الزعماء والناجحين سلبيا بحجم المديح
الزائد والتفخيم المستمر ويعتقدون عن جهل أو غرور أنهم فعلا جديرون
بالضوضاء الهائلة التى تحيطهم.. وأن ما دونها يعتبر تقصيرا يستوجب غضبهم
العارم ورفضهم لوجوده.
عاش المصريون طويلا ولعدة عقود مع الملوك إسماعيل وفؤاد وفاروق وهم يرونهم
قريبين من مكانة الأنبياء والرسل بل والآلهة أحيانا.. ومن ينال شرف مصافحة
الملك فقد دخل الجنة أو ما شابهها.
وعندما سقطت الملكية وجاءت الثورة.. واكتشفنا أن الملكية كانت وبالا على
مصر وأن الملوك السابقين أضروا ببلدنا أكثر مما نفعوه.. لكننا لم نستفد
أبدا من الدرس.. وتحولنا من عصر الملك فاروق إلى عصر الرئيس جمال عبد
الناصر.. وأصبح ناصر إلها جديدا يؤمن به الشعب ويهتفون بحياته فى نشيد
الصباح فى المدارس وفى حصص الألعاب والتجمعات بل وعلى الشاشات وأمام
الميكرفونات.. ورغم أن ناصر كان نموذجا يحتذى فى الوطنية وحب البلد
والإخلاص واليد النظيفة إلا أنه سقط فريسة للألوهية التى صنعها له مَن
حوله.. وعاش سنواته الأخيرة فى سدة الرئاسة معتقدا فى فطنته التى لا
تدانيها فطنة وجرنا إلى حربين خاسرتين فى اليمن ومع إسرائيل.. ولكن
الكارثة الكبرى كانت اقتصادية وانغمست مصر فى هوة الديون والعجز.
تجاربنا لم تقتصر على السياسة ولكنها امتدت بقوة إلى الفن والرياضة ومناح
أخرى من حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والإدارية.. وأصبح الوزير (إلها)
فى مملكته ورئيس التحرير (إلها) فى صحيفته ورئيس النادى (إلها) فى ناديه
والناظر (إلها) فى مدرسته.
التربية الخاطئة نحو الخنوع الكامل للشخص الأعلى درجة فى كل المجالات
أفسدت المجتمع من جيل إلى جيل حتى صار الأمر ميراثا مؤلما تتبادله الأجيال
فى نظام لا ينقطع.
الرياضة عانت طويلا من (ألوهية) البعض عبر الأجيال المتتابعة.. وكان
الاقتراب من لاعب الأهلى وكابتن مصر صالح سليم فى نهاية الخمسينيات أو
مطلع الستينيات محظورا كالتحريم.. وهو ما دفع صالح كثيرا لأفعال عنيفة غير
تقليدية مع مدربين وإداريين وصحفيين مثل مصطفى كامل منصور وميمى عبد
الحميد وناصف سليم.
النموذج الجديد لمحاولات تحويل النجم الناجح إلى إله يحدث اليوم مع المدير
الفنى لمنتخب مصر حسن شحاتة وبطريقة بالغة الترتيب والدقة عبر أغلبية
النوافذ الإعلامية للشاشة والإذاعات والصحف.. وهو الأمر الذى يدير رأس
شحاتة كثيرا ويدفعه لتصديق أمور لم ولن تحدث مثل طلب الاتحاد النيجيرى
إشرافه على منتخب النسور الخضر فى نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2010 فى
جنوب أفريقيا.
وترك الكثيرون إنجاز الفوز بكأس الأمم الأفريقية للمرة الثالثة على
التوالى للحديث إلى انتقال حسن شحاتة إلى العالمية بترشيحه لتدريب نيجيريا
فى كأس العالم.. وصدق الكاذبون أنفسهم وتمادوا فى غيهم إلى الحديث عن رفض
مجلس إدارة اتحاد كرة القدم للعرض النيجيرى.. ثم عن رضوخ حسن شحاتة لقرار
اتحاد الكرة بحرمانه من حلم حياته بالتدريب فى نهائيات كأس العالم..
ويتمادى الكاذبون إلى مزيد من الادعاءات لرفع مكانة وراتب حسن شحاتة
لتعويضه عن تضحيته بمنصب المدير الفنى لنيجيريا.
سلسلة من الأكاذيب التى أطلقوها وصدقوها ونشروها بين الأغلبية من البسطاء
السعداء والفخورين بمدربهم حسن شحاتة والمستعدون والمهيأون لتصديق أى كلام
أو شائعات رائعة عنه.
حرصت على سؤال المسئولين بالاتحاد النيجيرى لكرة القدم للتأكد من الخبر
خاصة أن عددا غير قليل من الإعلاميين المصريين العاملين فى وكالات أنباء
أجنبية تمكنوا بأكاذيبهم من تسريبه إلى تلك الوكالات ثم اعتمادها لاحقا
كمصدر أجنبى وخارجى ومؤكد للخبر.
المسئولون فى الاتحاد النيجيرى اندهشوا من الترشيح غير الحقيقى.. وعدت إلى
المتحدث الإعلامى الرسمى للاتحاد الأفريقى لكرة القدم سيلمانو حبوبه وهو
نيجيرى الهوية وسألته لعل الخبر يكون صحيحا ونفرح لحسن شحاتة.. ولكنه قال
لى ساخرا: هى المرة الأولى التى أسمع فيها الخبر منك ولا أساس له من
الصحة.. وكان النجم السودانى القديم ولاعب الأهلى السابق قرن شطة وهو
حاليا مدير اللجنة الفنية والتطوير بالاتحاد الأفريقى موجودا معنا أثناء
ذلك الحوار.. وتدخل قائلا إن عددا من المسئولين النيجيريين من أصدقائه
وأنه سألهم عن الأمر واندهشوا من الخبر.
هى محاولات كاذبة من الكثيرين لتحويل المدير الفنى حسن شحاتة عنوة إلى إله
وهو الرجل الطيب الذى اشتهر ببساطته وأطلقوا عليه لقب المعلم نسبة إلى ابن
البلد.
الحقيقة المؤلمة التى يتناسونها هى أن المدير الفنى لمنتخب مصر بطل
أفريقيا الدائم أعلى وأغلى وأهم وأشهر وأفضل من المدير الفنى لنيجيريا حتى
لو لعبت فى كأس العالم.
حسن شحاتة على حافة الألوهية.. إلحقوه قبل أن تفسدوه!!