الزمن يتجدد وانت مكانك - نوِّع ثقافتك، شكِّل مواهبك، غاير بين حالتك في المعيشة، لأن الرتابة مملة، والاستمرار سأم، ولذلك تنوعت العبادات من صلاة وصيام، وزكاة وحج، وتنوعت الصلاة من قيام وقعود وركوع وسجود. الزمن يتجدد:
ليل ونهار، وصيف وشتاء، وحر وبرد، مطر وصحو. المكان يتجدد: جبل وسهل، رابية وهضبة، وغابة وصحراء، نهر وغدير. الألوان تتجدد: أبيض وأسود، أحمر وأصفر، أخضر وأزرق. الحياة تتجدد: فرح وحزن، محنة ومنحة، ولادة وموت، غنى وفقر، سلم وحرب، رخاء وشدة. كان المأمون ينتقل في بيته وهو يقرأ، وأنشد قول أبي العتاهية: لا يصلح النفس ما دامت مدثرة *** إلا التنقل من حال إلى حال اجعل وقتاً للتلاوة، ووقتا للتفكر، وثالثا للذكر، رابعا للمحاسبة، وخامسا للمطالعة، وسادسا للنزهة، وهكذا وزِّع العمر فيما ينفع. النفس نفورة، والطبيعة متقلبة، والمزاج يتضجر، فحاول أن تكون مسافرا خرّيتاً، وتاجرا صيرفيا، تأخذ من كل شيء أحسنه، ومن كل فن أجمله. إن كدّ النفس على طريقة واحدة، ونسج واحد، قتل لإشراقها وأشواقها، وإن أخذ الطبيعة بالصرامة المفرطة والجد الصارم انتحار لها. ولكن ساعة وساعة، إن هناك بدائل من أعمال الخير، وأصول الفضائل وسنن الهدى، يمكن للعبد أن ينتقل بين حقولها، ويراوح بين جداولها. ما أحسن الحديقة يوم تضم أشكال الزهور، وأنواع الفواكه، وسائر الأذواق والطعوم، وكذلك حالات النفس وأطوارها، لابد أن يكون عندها من سعة الأفق، ورحابة المعرفة، ووسائل الحياة، وصنوف الهيئات المباحة ما يسعدها. وإن كبت النفس في مسارات ضيقة، ورتابة باهتة، ما أنزل الله به من سلطان، يجعل النفس ذاوية منهكة محطمة: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [سورة الحديد: الآية 27]. والأجدر بالعبد أن يضرب في كل غنيمة من أعمال الخير والبر بسهم: يوماً يمان إذا لاقيت ذا يمنٍ *** وإن لقيت معدِّياً فعدناني