الإجازة الصيفية - الحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمين، يَرْفَعُ أقدارَ الصادِقين، ويُؤَيِّدُ بنصرِه المؤمنين المتَّقِين، وأشهدُ أنَّ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شَرِيكَ له، جَعَلَ في تَعاقُبِ الليالِي والأيامِ عِبْرَةً
لأُولِي الأبصارِ، وأشهَدُ أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه النبيُّ المصطفَى المختارُ، بلَّغَ الرِّسَالَةَ وأَدَّى الأمَانةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ. اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ علَى سيِّدِنا مُحمدٍ صَلاةَ أهلِ السمواتِ والأرضِ علَيه واجعَلْنا اللهُمَّ بالصَّلاةِ علَيه مِن الفائزِينَ، وَبِسُنَّتِهِ مِن العَامِلِينَ، وبِهَدْيهِ مِن الرَّاشِدينَ. أيها الأخوة المؤمنون: إنَّ أبناءَنا وبناتِنا قدْ أنهَوْا في هذِه الأيامِ عامَهم الدراسِيَّ الذِي أمضَوا فِيه جُهْداً كبيراً في التحصيلِ العِلِميِّ، وفي العُطلةِ سوفَ يُعَانُونَ من مُشْكِلةِ الفَرَاغِ التي نَبَّهَ إلَيها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: « نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ »( أخرجه البخاري والترمذي). وهَاتَانِ النِّعْمَتانِ مُتَوفِّرَتانِ الآنَ لأبنائِنا فَلاَ أَدْرِي أَيَكُونُ أبناؤُنا مِن المنتَفِعِينَ مِن أوقاتِ فَراغِهم وصِحَّتِهم أمْ يَكُونُونَ مِن المضَيِّعِين لهاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ، فَالفَرَاغُ مِن أجَلِّ النِّعَمِ الِتي يَنْبَغِي للإنسانِ استغِلالُها في طاعةِ اللهِ وفي العَمَلِ الصَّالحِ الذِي يَعُودُ علَيه وَعلَى أهلِ بَيتِه وأُمَّتِه بالنَّفْعِ في الدنيا والآخِرَةِ ، فالعُمُرُ قَصِيرٌ مهما طَالَ، وهو يَتناقَصُ يَوْما ً بعدَ يَوْمٍ ، وإنَّ الزمَنَ سائرٌ في طَريقِه ، ومَا مَضَى مِنْهُ لا يَرْجِعُ ولا يَعُودُ ، ومَا فاتَ مِن الوقتِ الضائعِ هُو ما فاتَ مِن العَمَلِ الصَّالحِ ، يَقُولُ الحسَنُ البَصْرِيُّ رحمه اللهُ «مَا مِن يَومٍ يَنْشَقُّ فَجْرُه إلا نَادى مُنادٍ من قِبَلِ الحَقِّ يا ابنَ آدمَ أنَا خَلْقٌ جَدِيدٌ وعلَى عَمَلِكَ شَهيدٌ فَتَزَوَّدْ مِنِّي بَعَمَلٍ صَالحٍ فإنِّي لا أعُودُ إلى يومِ القيامَةِ» ومَعَ هذا فإنَّ كثيراً مِن النَّاسِ يَظلِمُونَ أنْفُسَهُم، ولا يَهْتَمُونَ بِوَاجِباتِهم بِسَبَبِ انصِرَافِهم إلى اللهوِ واللعبِ والعَبَثِ، وقَضاءِ الوقتِ بما لا يَنْفَعُ وَتَرْكِهِمُ الانتِفَاعِ الجِدِّيَّ بِصِحَّتِهم وأوقاتِ فَرَاغِهم، وقد يَلْهَثُ بعضُ النَّاسِ خَلْفِ شَهَوَاتِ النَّفْسِ وهَوَاهَا وهذا شَأْنُ غَيرِ المستَمْسِكِينَ بأحكامِ الدِّينِ، ولِذَا ذَمَّ اللهُ الكُفَّارَ بقولِه تعالَى: }وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ {( سورة محمد الآية 12). أيها الإخوةُ المؤمنون : إنَّا نَتَحدَّثُ عنْ أبْنَائِنَا لأَنَّهُم رِجَالُ الغَدِ، وأَبْنَاءُ المستقبلِ، فَهُم الأُمَّةُ بعدَ حِينٍ من الزمن، وتَزْويدِهم بالعلمِ النَّافِعِ المفيدِ، صلاحٌ لهم في عقولهِم وصلاحٌ لهم في أجسامِهم، وإنَّ المسؤوليةَ مُضاعفةٌ علَينا تجاهَ أولادِنا ، فينبغِي لنا تَحْصِينُ أبْنَائِنَا، بالعلومِ المفيدةِ وإعْدَادُهم إِعْدَاداً عِلْمياًً يَحْمِيهِم من الأفكارِ الدَّخِيلةِ التي تتعارضُ مع قِيَمِنَا وأخلاقِنا الإسلاميةِ . أيها المسلمونَ: إنَّ كُلَّ إنسانٍ مرهونٌ بعَمَلِهِ، ومسؤولٌ عن نَفْسِه وأَهْلِه وأَولادِهِ فَوَاجبٌ علَيه أنْ يُنْقِذَ نَفْسَه أولاً بِتَزْكِيَتِها وإِصْلاحِها، وأنْ يُنْقِذَ أهلَه وأولادَه ثانيا ً بحسنِ الرِّعَايةِ والتَّهْذِيبِ، وكمالِ التربيةِ والتأدِيبِ، فَيَتْعَهدونَ أولادهَم بالأدبِ الصحيحِ والتربيةِ الحسنةِ، ويُلْزِمُونَهُم بالأخلاقِ الإسلاميةِ، ويمْنَعُونَ عنهُم أسبابَ الانحرافِ والشقاءِ ، وسُوءِ الخُلُقِ . واللهُ تعالَى يقولُ في كتابِه العَزِيز: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {( سورة التحريم الآية 6). ألا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على سيد البشر، المصطفى الأغر، الشافع المشفع في المحشر، فقد ندبكم لذلك المولى تبارك وتعالى وأمر، في أفضل القيل وأصدق الخبر، ومحكم الآيات والسور، فقال سبحانه قولاً كريماً:]إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[( الأحزاب : 56)