أوجست الأسرة خيفة، وقالت ما لي حيلة، تجاربي قليلة،
اللهم أرشدني لأنجع الطرق وأرقى أساليب التربية،
التجأت إلى العقاب،ظنها في ذلك خاب
قالت : مالي عنه محيد،أجربه ثانية عله يفيد
رب ماالعمل؟الأولاد في همل..
جربت أسلوب القمع والتهديد، الأول يقول لها :لا، لنأحيد..والثاني: يقول هل من مزيد
التجأت إلى الديان، فتشت في آي القرآن
قرأتتوجيهات الرسول، والكلام المعقول
الحوار والكلام المفتول
برفق ولين، وصبر كما كان يفعل الرسول عليه الصلاة والسلام
كثيرة هي الأسر التي تتخبط في مشاكل الأطفالوكيفية التعامل معهم، لاسيما في هذا الوقت بالذات مع تدهور المجتمع، وتدفق وسائلالإعلام التي لم تترك للأسرة الفرصة لامتلاك زمام الأمور.
ترى، أين الخلل؟
وماالسبب؟
هل يختلف أطفالنا عن أطفال عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
أم إننا نحن منحاد عن طريقه عليه الصلاة والسلام؟
ما السبيل إلى إخراج الأسرة من بؤرة المشاكلإلى جو يسوده الهدوء والاستقرار مع الأبناء؟
وأي أسلوب وأي نهج نسلكه لتحقيق هذاالاستقرار؟
أيمكن أن يكون التهديد والتخويف، والقمع والجبر سببا وسبيلا لاستقرارمتين مع الأبناء؟
لا، ثم ألف لا، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهاستعمل مثل هذه الأساليب في تربيته ومعاملته للأطفال.
إن تربية الأبناء ليست بالأمر الهين، فقد يتطلبالأمر امتلاك مناهج صحيحة وأساليب مستقاة من نبع القرآن والسنة النبوية الشريفة،وإن أنجع أسلوب للتربية هو الحوار، ذلك الحوار الهادئ الذي يطبعه الرفق والحكمة،البعيد كل البعد عن القمع والاستهزاء والشتم والضرب.
وقد يتساءل كثير من الآباءعن سبب وقوع المشاكل، وعن سبب تأخير أطفالهم في التربية، والإصرار على جوانب النقص،وقد يكون أحد الأسباب وأهمها هو انقطاع حبل المحاورة، والنقاش العقلي الهادئ.
فالحوار يضع الفرد أمام الأمر الواقع بصورة واضحة، وتتفتح الآفاق فيستفيد منها كلا الطرفين، المربي والإبن.
ولحوار أفضل مع الطفل، لابد من التأمل في هذه الاقتراحات، علها تنير الطريق وتبلغ المقصود:
اختر الوقت المناسب لمحاورة ابنك
لابد من اختيار الظروف الملائمة، والنفسية الجيدة للطفل قبل التحاور معه، محترمين في ذلك وقت لعبه مع أصدقائه فلا نقطع عليه سعادته،وإذا كان جالسا أمام التلفزيون لمشاهدة برنامج الأطفال فلا نطلب محاورته في ذلكالوقت، بل تتحين الفرص المناسبة، ثم نهيئ الجو ونلطفه بعبارات تفتح شهية هذا المتحاور الصغير، كأن نذكر مميزاته وصفاته الحسنة، وننوه ببعض أعماله، ثم نشوقه لموضوع النقاش ونحاول إقناعه بطريقة سلسة وحكيمة، بعيدة عن إجباره وتكلفه .
وهذا ليس من باب المبالغة، فمثل هذه الأمور وإن بدت بسيطة فإن وقعها عظيم في نفسية الطفل.
أنصت إليه بدل أن تقمعه
قد يخطئ البعض عندما يتصور التربية والأخلاق الطيبة هي السكوت الدائم للطفل ، وعدم تدخله في أمور الكبار..وهذا تصور خاطئ،فالطفل الذي لا تتاح له فرصة التكلم، ولا يتدرب على الحوار وأدبه وأساليبه في بيته مع والديه، يكون ضعيف الشخصية في كبره، عديم الثقة في نفسه.
إلزام الطفل بالسكوت وقمعه، وعدم إعطائه الفرصة للإدلاء برأيه، دليل على عدم قدرة المربي على الحواروعدم توفره على امتلاك أساليب ناجعة لإقناع الطفل.
وإذا تأملنا في سيرة سيد الخلق، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، نجد محاورة الصبيان والإنصات إليهم كانت من شيمه عليه الصلاةوالسلام. حاور طفلا يريد الدخول في المعركة....بكل هدوء وروية وسمع رأيه و أنصفه: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال« أيمت أمي وقدمت المدينة فخطبها الناس، فقالت:لاأتزوج إلا برجل يكفل لي هذا اليتيم، فتزوجها رجل من الأنصار، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض غلمان الأنصار في كل عام فيلحق من أدرك منهم، قال: فعرضت عاما فألحق غلاما وردني، فقلت: يا رسول الله، لقد ألحقته ورددتني، ولو صارعته لصرعته، قال: فصارعته فصرعته فألحقني». رواه الإمام الحاكم في مستدركه وقال :صحيحالإسناد.
لننظر إلى هذا التعامل النبوي، أنصت لهذا الصبي، وأعطاه الفرصة للتعبير عن رأيه، ولولا هذا لما اكتشف عليه الصلاة والسلام شجاعة هذا الغلام وقدرته على المصارعة.
فلا بد إذن من إنصات جيد للطفل، نفسح له المجال لإبداء رأيه، بلومساعدته في التعبير عما يريد قوله.
وبهذا نكون قد ربحنا أجر احترام هذا الطفل البريء، وأجر اتباع سنة الحبيب المصطفى في تقديره الصبيان وإعطائهم حقهم.
حاوره على قدر عقله
ليس من المناسب أن نتكلم مع الطفل بأسلوب لايفهمه ولا يستسيغه، فالرسول صلى الله عليه أوصانا بأن نخاطب الناس على قدر عقولهم،وحسب مستواهم.
ولا بد من استحضار عامل السن عند الحوار، ذلك أن طفل الثالثة ليس هو طفل السادسة، وطفل العاشرة ليس هو طفل المراهقة.
ودليل هذا أنه قبل معركة بدرحينما قبض الصحابة على غلام راع لقريش..سألوه عن عدد الجيش، فإذا به لا يحسن الإجابة فضربوه، حتى أقبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو عالم النفس الحقيقي، فسأل الغلام:« كم ينحر القوم من الإبل؟ » قال الغلام: بين التسعة والعشرة، فقال صلى الله عليه وسلم:«القوم بين التسعمائة والألف » فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا لغلام لا يدرك عدد الآلاف ولكن طاقته العقلية تدرك عدد العشرات. فيالها من حكمة ممزوجة برحمة، نحتاج إلى وقفة وتأمل لنستقي العبر ونتعظ .
ثم لابد أن يكون هدفنا واضحا ومحددا أثناء محاورتنا للطفل، فلا نتيه به بعيدا، ولا نطيل الوقت في الحوارمعه، لأن قدرته ليست كقدرة الكبار.
تجنب أسلوب التوجيه المباشر
إن ما تتطلبه التربية هو استحضار نفسية الطفل ومايؤثر عليها من عوامل، فالطفل سريع التأثر وشديد الغضب، فإذا رأينا اعوجاجا فيسلوكه، وأدبا لا يليق، فلا نوجه له اللوم المباشر، ولا نقدم له النصح أمام أصدقائه،فإن ذلك مما يضعف شخصيته، ويحطم نفسيته.
ثم إن أسلوب التوجيه المباشر لا يغير منسلوك الطفل شيئا، بل يزيد الطين بلة، ويولد العناد، وهذا عكس مانتوخاه.
هلم إلى حوار هادئ مع طفلك
إلى هذا الحد نكون قد اتفقنا على الحوار أسلوبا للتفاهم مع أبنائنا، وأداة تربوية لا تقمع ولا تستهزئ، تربية تستحضر شخصية الطفل وتحترمها، بل وتقدرها.
إن الحوار مع الطفل يقفز به إلى القمة، ويكون شخصيته، فيستطيع التعبير عن آرائه، والمطالبة بحقوقه، فينشأ حرا كريما، ويكون في المستقبل ذا حضور مميز، ويكون لآرائه صدى في النفوس، لأنه تربى منذ الصغر على الحوار وعدم القمع.
لذلك، لا ينبغي تهميش الطفل وعزله في زاوية بعيدا عن الإدلاء برأيه وكأنه عنصر غريب، بل يجب إشراكه في كل الأمور، حتى في صناعة القرار، كأن يسأله الأب مثلا أو الأم –من باب شحذ قريحته واستخراج ما لديه من أفكار- عن رأيه في تحديد موعد الخرجة، وفي أثاث المنزل، وعن تهيئ وجبة من الوجبات، إلى غيرها من الأمور، لما في ذلك من الأثر العظيم والثمرات الجليلة في تدريب الصغير وتعويده أدب الحوار و إبداءالرأي...
وإنني إذ أقترح هذا الأسلوب في التعامل مع الأبناء، لا أغيب الظروف التي يعيشها الآباء والأمهات داخل البيت وخارجه من ظروف صحية و مادية ومعنوية؛ إرهاق الأم وظروف الحمل، وكثرة الأبناء إذ كيف تستطيع الأم أن تتوفق في إعطاء كل طفل من أبنائها حقه من الحنان و العطف، وأن تتحاور مع كل واحد منهم على حدة، مع تفاوت أعمارهم واختلاف شخصياتهم؟
لكن يبقى هذا الاقتراح مرتبطا بنتائج الممارسة الميدانية، فلنجرب جميعا هذا الأسلوب النبوي، الحوار الهادئ، لما فيه من راحة نفسية خالية من التوتر. وهذا لن يتأتى إلا إذا أخلصنا العمل لله تعالى وتوكلنا عليه، وطلبنا العون منه سبحانه، لأن تربية الأبناء ورعايتهم عبادة تقربنا إلى الله عز وجل.
منقول