بين السما والأرض
حب محرم علي الكورنيش وفي البرج




النهارده الجو جميل فيه نسمات رقيقة تخليك لازم تتمشي على النيل، فقلت بعد ما أخلص شغلي أروح أتمشي شويه على كوبري قصر النيل وبرغم إني استمتعت بالهواء الساحر ولكني تضايقت لأن كل الكوبري من أوله لأخره على الجانبين شباب وفتيات يصطفون في سلسلة متصلة؛

فتذكرت أغنية بتقول "كل الأحبه اتنين اتنين وأنت يا قلبي حبيبك فين"...و واصلت المشي فلقيت نفسي في شارع الجبلاية المؤدي لبرج القاهرة والشارع ده بيطلقوا عليه شارع "الحبييبة" حيث يختفي فيه كل اتنين بيحبوا بعض ليسرقوا لحظات حب بعيدا عن رفض الأهل والمجتمع للحب ده. وبرغم مشقة الطريق على واحدة وحيدة من غير حبيب إلا إني واصلت لبرج القاهرة وقطعت تذكرة لطلوعه وكنت تقريبا أنا البنت اللي لوحدها بتقطع تذكرة لأن كل الطابور كان إما سائحين أجانب أو اتنين من العشاق، فحسيت شويه إني حالة شاذة لكن لازم أكمل المشوار واطلع البرج، وفوق في البرج حدث ولا حرج عن العشاق والقبلات و الأحضان اللاتي يسرقها كل حبيبين.
وبرغم دخولنا عصر الكمبيوتر والإنترنت، وبرغم وجود آباء وأمهات متفتحين الذهن، إلا إن الحب في مصر مازال يدخل ضمن المحرمات والأحبة عليهم الاختفاء في هذه الأماكن اللاتي تعد الملاذ الأخير لهم أحيانا على الأرض على الكورنيش أو قريب من السما في البرج.
وسمعت فتاة تكلم والدتها بعدما رن هاتفها المحمول وقالت لها "أنا مع واحدة صحبتي بنشتري حاجة"، وتذكرت بسرعة الفيلم القصير الذي شاهدته في مركز الإبداع بالأوبرا بعنوان "نظرة إلى السماء" حيث كان يدور حول فتاة مراهقة تسرق لحظات الحب مع شاب على كوبري 6 أكتوبر ويراها عمها فتضطر للكذب والإنكار أمام والدها لدرجة أنه يأتي لها بالمصحف حتى تحلف عليه وتحلف بالكذب وتظل تتعذب وتحبس نفسها في المنزل دون خروج للتكفير عن كذبتها.
ومن الثوابت أيضا رؤيته على الكورنيش بائعي الورد والترمس و الحاجة الساقعة الذين يفرضوا بضاعتهم على المحبين،الذين إذا لم يشتروا منهم ظلوا واقفين ليفسدوا اللقاء الرومانسي بين الاثنين، مما يضطر معظمهم لشراء البضاعة مقابل السكوت. وهكذا تحول الكورنيش إلى ملتقى لعاطلين يبيعون همومهم بطريقة لا تخلو من الانتهازية، ومحبين دفعتهم حالة الغلاء وظروفهم الاقتصادية القاسية إلى اللجوء إلى النيل يطلقون على شاطئه عواطفهم المكبوتة بلا مقابل، فمعظمهم ليس لديهم القدرة على مواجهة الظاهرة الجديدة التي تسمي "منيم تشارج" والتي أصبحت موضة تطبقها الكافيتريات والمقاهي، فلم يبق أمامهم شيء مجاني سوى الكورنيش. فمعظم الفتيات لا يستطعن الحديث عن الحب أمام الآباء والأمهات لأنه يدخل ضمن دائرة العيب والحرام وبرغم أنني لدي أب وأم أستطيع التحدث معهم بحرية في كافة الموضوعات حيث تربيت على الثقة والدعم.
إلا إنني أري كثيرا من صديقاتي لا يستطيعون الحوار مع أهاليهن، وفي أحد المرات قال لي أبي أن ما نراه من التصاق بين معظم الفتيات والشباب على الكورنيش هذه الأيام ما هو سوى حالة تحدي للمجتمع على عكس زمان حيث كان يخرج الفتيات والبنات يعيشون قصص حبهم بشكل محترم يطفو عليه الحب الرومانسي الجميل وربما كان ذلك لحالة الحرية النسبية التي كان يعيشها المجتمع من قبل أن يبدأ في التشدد والكبت وتأخذ الرومانسية على النيل أشكالا أخري، فالنظرية تؤكد أنه كلما زاد الكبت والاختناق كلما كانت المقاومة أقوى ويحدث الانفجار.
فالشباب والشابات يتصرفون على هذا النحو هذه الأيام في الأماكن الخاصة بهم على النيل أو في الشوارع المظلمة أو في البرج محاولين تحطيم هذا المحرم غير عابئين بما يدور حولهم وكأنهم يعيشون في عالم خاص بهم حيث قرروا التمرد على واقعهم. وواصل أبي حواره معي قائلا "الحب ليس حرام بل أن الأديان السماوية كلها قائمة على فكرة الحب وهؤلاء الشباب والفتيات لم يجدوا الطريقة المثلي للتعبير عن حبهم وممارسته بشكل طبيعي أمام أعين الأهل والمجتمع، فالفتاة التي تقع في الحب مع شاب ترغب طبيعيا في الارتباط به والزواج منه، ولكنه إذا جاء للمنزل ليطلب يدها من والديها كالمتعارف عليه، يبدأ معظم الأهالي دون وعي في وضع قائمة المطالب التي لا يستطيع أي شاب في الحياة المعاصرة في مصر أن يلبيها ولأن نداء الحب لا يستطيع أحد مقاومته، فالحل هو الكذب والهروب بعيدا عن الأهل والجميع وسرقة هذه اللحظات التي أصبحت رؤيتها شائعة اليوم".
فالمشكلة مشكلة مجتمع وليست مشكلة أفراد، فنحن شركاء في إنتاج مثل تلك المشاهد شئنا أم أبينا من خلال إهمالنا للقطاع العريض من الشباب والبنات، البنات اللاتي تحتجن لأبوين واعيين متفتحين الذهن لتتحدث معهم عن كل ما يدور في حياتهن ليقدموا لهن العون والنصيحة بهدوء وثقة وليس بعنف كما هو متبع في معظم الأسر المصرية. وشركاء لأننا أهملنا توفير فرص عمل بسيطة للشباب، فبدلا من دعمهم تجاهلنا مطالبهم وأحلامهم، وأثقلنا كاهلهم بمزيد من العيب والحرام و الممنوع.
فللأسف مجتمعنا لا يسمح بدرجة جيدة من التعارف بين الشاب والفتاة تراعي فيها حدود الأخلاق واللياقة تحت بصر الأهل والمجتمع و تفهمهم لذلك حتي يجتمع المحبين في الإطار الطبيعي والشرعي وهو الزواج.

مشكوررررررررررررررررر
على الموضوع

thanks