السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حب الدنيا هو الذي عمر النار بأهلها والزهد في الدنيا هو الذي عمر الجنة بأهلها ، والسكر بحب الدنيا أعظم من السكر بالخمر فصاحبه لا يفيق إلا في ظلمة اللحد ، قال يحيى بن معاذ " الدنيا خمر الشيطان من سكر منها فلا يفيق إلا في عسكر الموتى نادماً بين الخاسرين " واقل ما فيها أنه يلهي عن حب الله عز وجل وذكره ، ومن ألهاه ماله فهو من الخاسرين ، وإذا لُهي القلب عن ذكر الله سكنه الشيطان وصرفه حيث أراد ، يقول ابن مسعود رضي الله عنه : ما أصبح أحداً في الدنيا إلا ضيف وماله عارية فالضيف مرتحل والعارية مؤداة .قالوا وإنما كان حب الدنيا رأس الخطايا ومفسداً للدين من وجوه:-


أولها : إن حبها يقتضي تعظيمها وهي حقيرة عند الله ومن اكبر الذنوب تعظيم ما حقر الله عز وجل.



ثانيهما : أن الله لعنها ومقتها وابغضها إلا ما كان له فيها ، ومن احب ما لعنهُ الله ومقته وأبغضه فقد تعرض للفتنة ومقت الله وغضبه.


ثالثهما : انه إذا أحبها صيرها غايته ، وتوسل إليها بالأعمال التي جعلها الله وسائل إليه وإلى الدار الآخرة ، فعكس المر وقلب الحكمة


رابعهما : إن محبتها تعترض بين العبد وبين فعل ما يعود عليه نفعه في الآخرة بانشغاله عنه بما يحب ، فمن الناس ما يشغله حب الدنيا عن الفرائض والواجبات ومنهم من يشتغل بها عن الأيمان وشرائعه ومنهم من يلهيه حب الدنيا عن تأديتة الحقوق كما ينبغي فهناك تفاوت وكلاً بحسب حبه وتعظيمه للدنيا


خامساً : أن محبها أشد عذاباً بها فهو معذب في تحصيلها ومعذب بمفارقتها ويعذب في قبره بالحسرة حين يجد أن حبها ضيع عليها تحصيل زاده الذي يأخذه معه في الآخرة.


سادسا : إن حبها من أهم الأسباب التي تذل الأمة وتجلب الوهن وتجعل الأمم تتكالب عليها فالواقع المرير الذي تعيشه الأمة من الذل والهوان ما هو بخارج عن بعد الأمة عن شرع الله ومنهجه وعن حب الدنيا التي شغلتنا عن الآخرة .


قالوا عن الدنيا : ـ

أشبه الأشياء بالدنيا عجوز شوهاء قبيحة المنظر والمخبر غدّارة بالأزواج تزينت للحظات بكل زينة و سترت كل قبيح ، فاغتر بها من لم يجاوز بصره ظاهرها ، فطلب النكاح ، فقالت لا مهر لي إلا فقد الآخرة ، فإننا ضرتان واجتماعنا غير مستحيل وغير مأذون فيه ولا مستباح ، فآثر الخطّاب العاجلة وقالوا: ما على من واصل حبيبته من جناح ، فلما أرخى الستر وكشف عن قناعها وحل إزارها ، إذا فيها كل آفة وبلية فمنهم من طلق واستراح ، ومنهم من اختار المقام فما استتمت ليلة عرسه إلا بالعويل والنواح والصراخ . تالله لقد أذن المؤذن لها بحي على غير الفلاح ، فقام المجتهدون لها والمصلون لها فواصلوا في طلبها بالغدو والرواح ، وسروا ليلهم فلم يحمد القوم السرى عند الصباح ، طاروا في صيدها فما رجع منهم احد إلا وهو مكسور الجناح ، فوقعوا في شِباكها فأسلمتهم للذبّاح

وقانا الله وإياكم حب الدنيا ، اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تجعل إلى النار مصيرنا واجعل الجنة هي دارنا