مجلة فورين بوليسى الأمريكية
تفتح مجلة فورين بوليسى الأمريكية ملفا موسعا عن الأوضاع السياسية
والاقتصادية والاجتماعية فى مصر مؤكدة على الحاجة إلى إصلاح المؤسسات
السياسية، وتبدأ المجلة الأمريكية ملفها بالسخرية قائلة إنه أحيانا يبدو
أن الشئ الوحيد الذى تغير فى مصر هو زى الشرطة.
ويقول ستيفن كوك الذى شارك فى إعداد الملف إن كل شئ يبدو كما هو حتى
أن مبارك لازال مبارك يتحدث عن الاستقرار من أجل التنمية، والسؤال الذى
يلح الآن فى البلاد.. هل يمكن لمصر أن تتغير؟!، ذلك السؤال الذى يبدو
ملائما فى أفول عهد مبارك.
ويرد الكاتب، بالطبع يمكن لمصر أن تتغير مثلما تغيرت فى يوليو 1923 ثم فى
1970 على يد السادات ومرة أخرى فى 1981 مع اغتياله، فبالنظر إلى الماضى
نجد أن الحياة فى مصر تغيرت جذريا وللأفضل على مدار العقود الثلاث الماضية
إذ بات الناتج الإجمالى يتخطى 145 مليار دولار بعدما كان 40 مليار دولار
بالإضافة إلى المفارقة فى خطوط وشبكات الهاتف وعدد المتعلمين وغيرها من
مظاهر التطور.
وقد يسأل البعض إذا كان كل شئ يبدو على ما يرام فلماذا كل هذه الانتقادات
التى تعج بها الصحف، يقول الكاتب، باختصار فإن مصر اليوم تشبه كثيرا الوضع
فى عهد الضباط الأحرار منذ 58 عاما تقريبا حيث الفقر والاعتماد على القوة
العالمية والسلطوية.
فالمشكلة المركزية هى طبيعة المؤسسات السياسية فى مصر، فلقد أسس عبد
الناصر ورفاقة مجموعة من المؤسسات السياسية تحكمها قواعد وأنظمة وقوانين
تعزز قبضتهم وهى فى الحقيقة قوانين مناهضة للديمقراطية تخدم مصالح رجال
السلطة وحلفائهم فقط، وللأسف فإن هذه القوانين والقواعد شكلت أساس تطوير
المؤسسات لاحقا، ومن استفادوا من هذا النظام السياسى هم عناصر المؤسسات
السيادية ومثقفى النظام والبيروقراطية والأمن الداخلى بالإضافة إلى
الشركات التجارية الكبرى بعد سياسة الانفتاح فى 1974.
إذ أصبحوا دائرة انتخابية قوية لحكم الحزب الواحد.
وتمضى المجلة قائلة طالما أن هذه الجماعات ترتبط دائما بالنظام فإن تغيير
المؤسسات السياسية أمر حتمى من أجل نظام سياسى أكثر انفتاحا وديمقراطية،
وهذا تقريبا هو السبب فى أن الحزب الوطنى الديمقراطى دائما ما يعمل على
إضفاء الطابع المؤسسى على السلطة تحت ستار التغيير السياسى، فصراعات
الإصلاح فى مصر تتسم بالنظرة والمصالح المادية لقادة البلاد ودوائرهم
الانتخابية.
ويتابع كوك، الأمر لا ينحصر فى المؤسسات الرسمية، لكن هناك سلسلة من
القواعد غير المكتوبة التى تشكل طريقة تعامل المصريين على أساس حساب
المصلحة الشخصية أولا، والسؤال الآن ماذ يمكن أن يفعل المصريون حيال ذلك؟.
التغير المؤسسى أمر نادر الحدوث وغالبا ما يرتبط بنوع من عدم التوازن،
ولكن هناك بعض الأمور التى يمكن للغرب القيام بها لاسيما فى سياق خلافة
مصر التى تلوح فى الأفق.
ويشير الكاتب إلى وعود واشنطن بدعم الشفافية وانتخابات حرة نزيهة مع عدم
اللجوء إلى العنف، وهذه التصريحات من شأنها أن يكون لها تأثير أكبر على
تفكير الرئيس القادم الذى سيسعى لتعزيز قبضته على السلطة وسيعتمد بالتالى
على نفس الجماعات السابقة التى لها مصلحة فى الإبقاء على الوضع الراهن.
ومن جانبها تحدثت ليزا أندرسون الأستاذة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة عن
الإصلاح الاقتصادى مشيرة إلى أننا فقط نحتاج أن نمسك ببداية المعضلة
الأساسية التى هى بالطبع ليست خلافة مبارك، فهناك 40 ألف طفل مصرى ولدوا
هذا الأسبوع وسيختم العام بـ 2 مليون مصرى جديد أغلبهم يواجهون تحديات
كبيرة، وسيعيش حوالى 20% منهم على أقل من دولار يوميا، والأغلبية العظمى
سيذهبون لمدارس مكتظة بالتلاميذ مع ضعف مستوى المعلمين وتعليم ردئ، وسوف
يستهلكون المياه أكثر من النيل كما سيصطدمون بسوق عمل يتطلب مهارات لا
يملكونها.
التحديات السياسية فى مصر واضحة، وتظهر يوميا على الصحفات الأولى من الصحف
اليومية المحلية، وقد بدت هذا الأسبوع الصراعات بشأن مياه النيل وشكاوى
الامتحانات مع معالجات أقل بشأن بحث الحكومة الدائم عن التمويل الأجنبى
العلنى والسرى الذى يحافظ على خزائن الحكومة من الخواء والذى حافظ على
نسبة نمو معقولة منذ عام 2007.
هذه هى المشاكل السياسية التقليدية التى تواجه الحكومة الحالية وستواجه أى
حكومة مصرية أخرى، ولكن تجدر الإشارة إلى أن أفاق النمو السكانى فى مصر
تتغير، فلقد بات أكثر من 60 مليونا يحملون هواتف محمولة أغلبها مزود
بالإنترنت، وانتشرت القنوات الفضائية الخاصة والصحافة المثيرة للجدل، وهذا
سهل تدفق المعلومات بكل ما تحملة من سلبيات وإيجابيات وتنظيم المظاهرات
والاحتجاجات وغير شكل العلاقات داخل الأسرة إذ عمل الأطفال والنساء على
إعادة التفاوض بشأن استقلاليتهم.
وترى الكاتبة أن المصريين يرون التغيير بحلوه ومره يحدث حولهم وهم يتوقون
إلى رؤيته بشكل منظم وموجهه وفعال، فالجميع يشكو فى القاهرة من عدم وجود
نظام وهذا قد لا يبشر بالخير للديمقراطية، فلابد من تغيير منظم وليس فوضى،
وتؤكد أن مصر ليست هشة بل إنها تتموج على الرغم من طوفان التغيير
الاجتماعى الذى تحياه، ولا أحد حتى أشد المنتقدين للحكومة يريد أن يراها
تنقلب.
وتنتقد هندسون التصور الذى تفرضه الصحف الأمريكية للوضع فى مصر على أنه هش وأن رحيل مبارك سيحول البلاد إلى الفوضى والبلبلة.
وأخيرا يشير ميشيل دون من مؤسسة كارنيجى ومحلل سياسى إلى أن التطورات
السياسية التى تشهدها مصر ينبئ بتغيير حتمى ويؤكد أن الجميع داخل وخارج
مصر يبحثون فى تغيير كبير، وإذا ما حدث ذلك، فإن الولايات المتحدة سيتعين
عليها الاختيار الصعب بين علاقتها بالنظام أو الشعب المصرى.