مضت عشر سنوات طوال، منذ المرة الأخيرة التي تقارب فيها الفلسطينيون
والإسرائيليون لإقامة سلام دائم في يناير 2001 في مدينة طابا. وخلال عملي
في القوات الجوية المصرية، شاهدت حصيلة القتلى المفجعة للحرب بين العرب
وإسرائيل، وكرئيس لمصر، عاصرت كثيرا من النجاحات والإخفاقات في عملية
السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
وكان اختيار مصر أن تصبح أولى
الدول العربية التي تقيم سلاما مع إسرائيل الدولة العربية، قد أودى بحياة
سلفي أنور السادات، ومنذ ذلك اليوم في 1981، حينما شهدت اغتياله على يد
المتطرفين، حاولت تحويل حلم السلام الدائم في الشرق الأوسط إلى حقيقة.
حاليا،
وبعد فجوة استمرت نحو عامين في المفاوضات المباشرة، نفتح فصلا آخرا في هذا
التاريخ الطويل، على الرغم من أن كثيرين يزعمون أن هذه الدورة الجديدة من
المحادثات - التي تبدأ بلقاءات بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس
وزراء إسرائيل بنيامين نيتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس والعاهل
الأردني الملك عبد الله وشخصي هنا، في واشنطن، اليوم الأربعاء- محكوما
عليها بالفشل مثل جميع المحادثات الأخرى.
وعلى الرغم من ذلك، فإن
مشاركة الرئيس أوباما المقررة أنعشت آمالا في السلام ويجب علينا انتهاز
الفرصة، كما أن المؤشرات الواسعة لتسوية فلسطينية إسرائيلية دائمة واضحة
بالفعل؛ من حيث إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في
1967 مع تخصيص القدس عاصمة لكل من إسرائيل وفلسطين، فضلا عن أن المفاوضات
السابقة حسمت بالفعل العديد من التفاصيل حول الوضع النهائي للاجئين
والحدود والقدس والأوضاع الأمنية.
وتعتبر العقبة الكبرى التي تقف
في طريق نجاح المحادثات هي عقبة نفسية نتجت عن التأثير التراكمي لسنوات
العنف وتمديد المستوطنات الإسرائيلية، ما أدى إلى انهيار في الثقة على
الجانبين، وعليه فلإنجاح المحادثات، يجب علينا إعادة بناء الثقة والشعور
بالأمن.
كيف يمكننا إنجاز هذا؟
بداية،
علينا حماية عملية السلام من اندلاع مزيد من العنف، وتحقيقا لتلك الغاية،
فإن مصر مستعدة لاستئناف جهودها لحل كثير من المسائل الصعبة المحيطة بقطاع
غزة من خلال التوسط في صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل و(حركة المقاومة
الإسلامية) حماس، المسيطرة على القطاع. وإنهاء الحصار الإسرائيلي له
وتسريع عملية المصالحة بين حماس وحركة فتح منافستها في الضفة الغربية.
وجميع
ما سبق له أهمية في الوصول إلى حل الدوليتين، كما أن الفلسطينيين لا
يستطيعون تحقيق السلام وبيتهم مقسما، وفي حال استبعاد القطاع من إطار
السلام، فإنه سوف يظل مصدرا للصراع وتقويض أي تسوية نهائية.
ولنجاح
سلام إسرائيلي-فلسطيني، يجب أن يكون ذلك جزءا لا يتجزأ من سلام إقليمي
أوسع نطاقا بين إسرائيل والعالم العربي. فبينما مبادرة السلام العربية،
التي أيدتها كافة البلاد العربية، توفر لإسرائيل السلام والتطبيع في مقابل
انسحابها من الأراضي العربية وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، إلا
أنه في الوقت الحالي يتوجب على الجانبين إظهار أن هذا الحل في المتناول،
ويجب على الأمم العربية، من جانبها، الاستمرار في إظهار جدية مبادرتهم
للسلام من خلال خطوات تخاطب آمال ومخاوف الإسرائيليين العاديين.
كما
أن على إسرائيل تجنب ارتكاب أخطاء، حيث إن المستوطنات والسلام غير
متوافقين، لأنهما يعمقان الاحتلال، الذي يسعى الفلسطينيون إلى إنهائها.
والتوقف الكامل لتمديد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس
الشرقية في غاية الأهمية إذا ما أريد النجاح للمفاوضات، عبر الابتداء بمد
إيقاف البناء الاستيطاني، الذي ينتهي خلال الشهر الحالي.
ويمكن
بناء الثقة بين الجانبين فقط على أساس تواجد أمن ملموس، في نفس الوقت الذي
لا يمكن أن يمثل الأمن تبريرا لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي
الفلسطينية، إذ أنه يقوض المبدأ الأساسي للأرض مقابل السلام.
أدرك
أن إسرائيل لديها احتياجات أمنية مشروعة، احتياجات يمكن أن يتم التوافق
عليها مع مطلب الفلسطينيين العادل بالانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة.
كما أن مصر تؤمن بأن تواجد قوات أمنية دولية في الضفة العربية -لتستقر
لفترة يتفق عليها الجانبين- يمكنه منح الطرفين الثقة والأمن اللذان يسعيان
لهما.
وختاما، فإن مصر على أهبة الاستعداد لاستضافة الجولات
المتعاقبة من المفاوضات. حيث إن كل اتفاق فلسطيني-إسرائيلي كبير كان قد
جرى التوصل إليه عبر مشاركة مصرية فعالة وبتعاون وثيقة مع الولايات
المتحدة. وكانت محادثات 2001 في طابا -على الساحل المصري للبحر المتوسط-
الأقرب للوصول إلى اتفاق لإنهاء الصراع بين الجانبين. ودعونا نستأنف العمل
من حيثما انتهينا، آملين في أن تولد روح المشاركة -التي رافقت تلك
المحادثات الأخيرة- النجاح لهذه المفاوضات.
إننا نعيش في عالم
يعاني ضربة مريرة من التطرف، واتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين من
شأنه حمل ضوء الأمل للشرق الأوسط وللناس في كل مكان، وكشخص شاهد كلا من
ويلات الحروب والأمل في السلام، أناشد كافة الأطراف في جعل هذه الدورة
الجديدة من المفاوضات، الدورة الناجحة.