الرياء إن
في النفس من الأسرار و الخفايا ما لا يكشفه إلا عون الله لنا ... فمن لم يخلص لله
يتعثر ،
و من لم يسلم روحه لمولاه يغرق في لجج هواه ..
كما قال
الفضيل بن عياض
" لا يعرف الرياء إلا مخلص " أي ؛
من ذاق حلاوة الإخلاص عرف مرارة الرياء ، و لكن القلب المر لا يشعر
بهذه المرارة
لأصالتها في الطبع و المزاج .. و الرياء من أخطرآفات القلب
!
قال الشافعي رضي الله عنه:
من لم يصن نفسه
لم ينفعه علمه. . فواجب على كل المسلم إزاء
ذلك أن يتعرف على
هذا الفيروس الخبيث الذي يسري في النفوس بلا
ضجيج و لا حسيس.. لتحطيم أحصنة
القلوب للإستيلاء على جواهرها ...
قال الزاهد عبد الله التستري :" معرفة
النفس أخفى من معرفة العدوّ " أي
أن عيوبها تتستر و تموه أمرها على صاحبها
لتأخذه على حين غرّة في الظلمة فتهلكه شر هلكة..
و لكن هذا الخفاء لا بد له
من اقتحام لمعرفة الأورام و من
قال الفقيه الزاهد الثقة وهيب بن الورد : "
إن من
صلاح نفسي علمي بفسادها ، و كفى للمؤمن من الشرّ أن يعرف فسادا
لا
يصلحه ..! " . . و حين حضرت الوفاةُ الصحابي الزاهد " شداد بن
أوس
رضي الله عنه - طلبوا منه وصية يودع خلالها خلاصة فقهه قال : "
إن
أخوف ما أخاف عليكم : الرياء ، و الشهوة الخفية .." لأنها تزحف في ظلمة
الرياء متسللة عبر نوافذ الأهواء
مجموعه سرالحياه الاسلاميه ترحب بكم
دوافع الرياء :
أولا : الصحبة السيئة إن الطبع لص كما قال
ابن الجوزي في صيده ..و قد لاحظ المربون بأن القائد
إذا كان مراءٍ يطبع
مريديه بتلك الصفة الخبيثة .. و مخالطة الفرد لأصحابه وأقرانه الذين لا همّ لهم سوى
الرياء أو السمعة ؛ تجعله يقلدهم و يحاكيهم لا
سيما إذا كان إمعّةً
؛ ضعيف الشخصية شديد التأثر بغيره لا رأي له ..
ثانيا : عدم المعرفة الحقيقية بالله : إن الجهل
بالله أو نقصان المعرفة به يؤدي إلى عدم تقديره حق قدره ، و من ثمّ
يظن هذا
الجاهل بالله أن العباد يملكون شيئا من الضر أو النفع فيحرص على
مراءاتهم ..
و قديما قيل من جهل شيئا عاداه .. و لهذا قال رُويم أول فرض
افترضه الله
عزَّ وجلَّ على خلقه هو المعرفة ؛ لقوله جلَّ ذكره:
"
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " . قال ابن عباس: إلا ليعرفون
..
وقال الجنيد: إن
أول ما يحتاج إليه العبد من الحكمة: معرفة
المصنوع صانعه، و المحدث كيف
كان إحداثه، فيعرف صفة الخالق من المخلوق، و
صفة القديم من المحدث،
ويذل لدعوته، ويعترف بوجوب طاعته؛ فإن من لم يعرف
مالكه لم يعترف
بالملك لمن استوجبه .. و قال أبو الطيب المراغى: " للعقل
دلالة ، و للحكمة
إشارة ، وللمعرفة شهادة ؛ فالعقل يدل ، والحكمة تشير،
والمعرفة تشهد : أن
صفاء العبادات لاينال إلاّ بصفاء التوحيد
.."والتوحيدلايُتحصل عليه
بالتقليد ..
ثالثا :
الرغبة في الصدارة أو المنصب حب الأضواء ، و شهوة امتطاء صهوة
الجياد من الدوافع القوية إلى الرياء وقد تفطنّ لذلك عابد الحرمين حين جزم قائلاً :
" ما أحب أحد الرئاسة إلاّ أحب ذكر الناس بالنقائص و العيوب
ليتميز هو
بالكمال ، و يكره أن يذكرالناس أحدا عنده بخير !!
و من عشق الرياسة فقد تُودّع
من صلاحه .." و قد
وثق هذا القول المربي العارف يوسف بن اسباط بقوله " الزهد في
الرياسة أشد من الزهد في الدنيا "
وهذا الصنيع يجر عابد نفسه إلى إرضاء الناس
واستمالتهم بالتصنع
و الإنكسار وبالكذب إن لم تنفع معهم تلك الحيل النفسية
رابعا : إشباع غريزة المحمدة ، أو حب الثناء من
الناس
منفخة وبروزة يعني قد
يدعوه هذا إلى الرياء حتى يكون حديث لسان و إشارة بنان .. و محمدتهم أن يحب أن
يكرموه بعمله ،
و يروا له به شرفاً و منزلة في صدورهم .. والممدوح
يعلم حجمه و وزنه و لكن شهوة المدح التي ألفها تشرح صدره ،
و تطرب
نفسه .. فتنسيه غمرة المدح حقيقته متجاهلاً قول الشاعر :
يا جاهلا غرّه
إفراط مادحه ***** لا يغلبن جهل من أطراك علمك بك
أثنى و قال بلا علم أحاط
به **** و أنت أعلم بالمحصول من ريبك
و هذه من علامات المنافق إذ أنه يحب
المدح بما ليس فيه ، و يكره الذم بما فيه
، و يبغض من يبصره بعيوبه و يعاديه
و يألب عليه الخصوم ...!!! و قد يلجأ هذا المرائي إلى حيلٍ خبيثة
حين يفتضح
أمره فيسارع إلى ذمّ نفسه أمام الملإ ليظن الناس به العكس ؛
و لكن مدرسة
الحسن البصري كشفت هذا الكمين
قائلة : " من ذمّ نفسه في الملإ فقد مدحها ، و
ذلك من علامات الرياء " ..
من علامات ذلك عدم قبول الحق والانقياد إليه
والتكبر على من يقول الحق
خصوصاً إن كان دونهم في أعين الناس. والإصرار على
الباطل خشية تفرق قلوب الناس عنهم
بإظهار الرجوع إلى الحق وربما أظهروا
بألسنتهم ذم
أنفسهم واحتقارها على رؤوس الأشهاد ليعتقد الناس فيهم أنهم عند
أنفسهم متواضعون
فيمدحون بذلك وهو من دقائق أبواب الرياء كتسمية
الواحد
نفسه بـ : المنكسر لله ، و الغارق في ذنوبه ، و المحترق بنار البعد
...و المتفاني في حب الله
لأن المتفاني لا تجده إلا بين يدي مولاه والصحابة
رضي الله عنهم
و التابعون ما كانوا يتسمون بهذه الأسماء
منقول
للفائدة