لا أعرف لماذا نصر نحن البشر بشدة علي التصنيفات و إختراع القوالب و تخصيصها لفئات معينه من البشر و نربطهم بمصير محتوم نحن من اخترعناه و أصررنا علي توثيقه بكل القوانين و الأمثال. نحن من نقولب ذواتنا و نسجنها عنوة و إفتراء في أقفاص وهمية من صنع المجتمع.
لا أعرف لماذا نصر علي تقسيم المشاعر و الافكار و السلوك و المظهر ما بين ذكري و انثوي و طفولي و رجولي و ديني ولا ديني و شرقي و غربي، و غيرها من التصنيفات البلهاء التي لا أجد لها مبرراً إلا رغبة المجتمعات في تمييز نفسها و إحكام السيطرة علي أعضائها، جيداً ليصيروا سجناء في تلك المجتمعات بإرادتهم الحرة … و في نفس الوقت لن يستطيعوا الفكاك او التكيف في أوضاع أخري لأنها مختلفه عنهم.
انظروا الي تقسيماتنا القويمه :
هناك لباس ديني و لباس كافر! … جايز
هناك افكار شبابيه و أفكار اخري مسنه! … جايز برضه
هناك سلوكيات طفولية و سلوكيات ناضجة! … هاوافق بتحفظ
بس بذمتكوا فيه حاجه اسمها مشاعر أنوثة و مشاعر ذكورة؟؟؟
يعني حتي المشاعر و الاحاسيس اللي ربنا خلقها في كل البشر، احنا عايزين نصنفها و نقسمها نصفين !! ناخد حبة مشاعر و نحشرهم في فكر الأنثي علشان تفضل أنثي، و دى طبعا مشاعر :”الحنان و العطف و الأمومة والحب و الأنفعال و الرقة و غيرها كثير” … و عكس هذه الصفات هو ما يثبت ذكورة الرجل طبعا !
ياريتها وقفت عند كده, لكن ده حتي القيم الإنسانية العامة اللي المفروض يشترك فيها كل البشر برضه احنا مصرين نقسمها علي أثنين.
نلزم المرأة بقيم مثل “الجبن و الخنوع و الطاعة و الصمت و السلبية و الوفاء و الصبر و الحياء”و غيرها كثير من القيم التي تحقق للمرأة أنوثتها. أما الرجل فالعكس هو المطلوب منه : “الشجاعه و الإقدام و الثوره والإيجابية و الخيانة و المبادرة و البجاحة احياناً”.
كثيراً ما اتساءل، و خصوصاً بعد متابعتي للبرامج التليفزيونيه التي تتلقي اتصالات هاتفيه تكون اغلبها من سيدات : لماذا تشتكي معظم السيدات من خيانة الأزواج ؟ لماذا يعانين من القهر ؟ و لماذا لا يتصل الرجال بنفس النسبه ؟
هل هناك خلايا في مخ المراة هي المسئولة عن إجادة الثرثره والشكوي أم هناك خلايا في مخ الرجل هي المسئولة عن ميزة الصمود و الكتمان؟
انا شخصيا لست من مؤيدي هذه النظرية، و لكني اري المسئولية اولاً و أخيراً علي عاتق المجتمع, لانه هو من يفسح المجال للمراة للثرثره و الشكوي و يصادر علي حق الرجل في نفس الشيء حتي لا تهتز ذكوريته.
الرجل لابد ان يكون كتوماً عزيز الدمع، بل مستحيل الدمع هو التعبير الأصح, فلا يسمح المجتمع ابداً للرجل أن يبكي مع انه انسان له من المشاعر ما يوازي مشاعر المرأه، و من حقه أن يبوح و أن يصرخ و أن يبكي.
هو إنسان قبل أن يكون ذكراً … لابد وانه يتألم اشد الألم لفقد عزيز لديه أو لمصيبة آلمت به, كما ان هناك دراسات تؤكد علي ان البكاء ظاهرة صحية تساعد الإنسان علي التخلص من الهموم و الكبت. كما أن من يلجأون للبكاء إذا واجهتهم مشاكل يتمتعون بعمر أطول من اولئك المتصلبون المنكرون لمشاعرهم، ممن يدفنونها حية ولا يسمحون لها بالظهور خوفاً من الشكل الإجتماعي.
و نفس الدراسة تقول أنه لهذا السبب عمر المرأة يزيد علي عمر الرجل بخمس أو ست سنوات.
لماذا إذن يحرم المجتمع علي الرجل اظهار مشاعره !!!
انا شخصياً اري هذا التحريم احد أشكال التمييز ضد الرجل، و للأسف ان الرجل هو الجاني و المجني عليه في هذه القضية … لأنه هو من أسس و رسخ لهذا الفكر، و هو أول من اغتالته أفكاره. و الأنكت أنه لايدري بذلك، و مصر على المضي في طريق التخلف بلا رجعة.
وقد إستطاع أن يقنع نفسه بأن الرجولة في الكبت و الإقتدار و التعالي و المخاطرة, و انها تعني “التقل” و عدم ابداء مشاعر الحب، و كأن اعتراف الرجل بالحب نقيصة في ذاته الذكورية. لهذا السبب يتحجر معظم الأزواج أمام زوجاتهم مستكثرين نطق كلمات الحب و كأن السنتهم لا تعرفها و كان قلوبهم لا تدريها !
إن إظهار المشاعر حرام فقط في مجتمعات تتستر بالزيف و الضلال و تخلط فيها الالوان و الرؤي.
من يريد ان يستوثق من زيف المجتمع و تناقضاته فلينظر إلي مباريات كرة القدم ليري من هو الأكثر تعصبا و إندفاعاً … و من يريد أن يري ناقصي العقول فليتأمل جيداً أخبار الحوادث و يستحضر احدثها، عندما قام رجل غاب عقله بالإندفاع لقتل زوجته بسبب كيلو طماطم … و حوادث كثيرة مشابهه ولا حصر لها.
من يريد ان يضع يديه علي علة الزيف فليذهب للماضي مسترشداً بالتاريخ _ و كاتبه رجل ايضاً _ ليري من أشعل الحروب و أطاح بحلم السلام و أغتال الإنسانية في لحظة غضب و إندفاع و تغييب للعقل و المنطق.
و لكن عندما يحتكم الرجل لعاطفته او يقتل و يشرد فهو لا يفعل هذا لجينات الشر التي استاثر بها دون المرأة، فكلاهما لديه نفس الجرعة من الشر … و لكنه يفعل ذلك مدفوعا بأفكار المجتمع و تشريعاته التي تزج به في كهف قد لا يحتمل ظلمته فليجأ لأشاعه النور بالأكاذيب و ليس بالمصابيح.
و بدلا من الإعتراف بالإنحراف يسقطه علي المرأة ليتخلص منه، ويحول كل أفعاله الي بطولات زائفة. يسمون القتل بطولة و الحروب شجاعة و يسمون القسوة رجولة و يسمون الإندفاع جرأة … و هكذا تتوالي المسميات الزائفة التي تنهار بالرجل و تساهم في كبت مشاعره و خلخلة فطرته البشرية. و لا عجب اذاً عندما تجد أغلب الرجال يمارسون انفعالاتهم في الخفاء منفردين بانفسهم في غرف مظلمة، كي لا تهتز صورتهم في أعين أنفسهم أو المحيطين أما البقية الباقية فهي لا تمارس المشاعر أصلاً إذ تعتبرها نقيصة.
و لكن ألم يحن الوقت ليكتشف الرجل بنفسه خطأ نظرية التمييز و أن تلك النظرية و إن كانت لخدمته في الاساس و لمنحه مظهراً أفضل و سلطةً اكبر، إلا أنها بالممارسة و التطبيق اثبتت انها ضد الرجل و ليست لصالحه.
ألم يأن الأوان ليطلق الجميع العنان لإنفعالاتهم و مشاعرهم و كلمات الحب و الثناء للظهور علي السطح بدلا من نظرية كبت المشاعر التي يتبنونها !
لن ينتقص الحب أو البكاء أو الصبر أو الهدوء أو التسامح من قيمة الرجل شيئا بل العكس هو الصحيح.
الرجولة الحقة تقاس بمدي قدرة الرجل ان يصير إنسانا متوازناً وليس ذكراً خالصاً, إنسان تجتمع بداخله كل القيم و المشاعر الإنسانية و الأفكار القويمة، و يستطيع بمهارة أن يمارس تلك القيم و المشاعر علي تنوعها و أختلافها و يوظفها حسب الموقف و الزمن و الظروف … لا أن يتبع القطيع فيلغي عقله و يتبني قوالب ثابته لا تتغير مهما جار عليها الزمن.
إن الرجل الحقيقي هو من يملك الجرأة ليناضل من أجل ذاته و أفكاره و ليست الرجولة في الذكورة البحته, و لو كان الرجل مصاباً بكلل العلل الجنسية فهو لازال رجلا رغماً عن انف القطيع.
كما ان الضعف و الجبن و التخاذل لن يضيف للمرأة جمالاً علي جمالها، فلا يمكن أن تضيف القيمة الفاسدة نفعاً لصاحبها، كما ان الشجرة الفاسدة لا تعلي من سعر الحديقة، و إنما تستحق البتر في أقرب فرصة حتي لا تشيع الفساد في باقي الشجر.
في النهاية أكررها أنني ضد التعميم … فلا كل الرجال خونه و متسلطين و بخلاء ولا كل النساء تافهات و ثرثارات و ناقصات عقل و مجانين، و لكن المجتمع هو من يصنع لهم تلك القوالب ليضعوا أنفسهم بإرادتهم فيها. و العاقل هو من يحطم تلك القوالب أو علي الأقل لا يستسلم لها و يشارك في إعادة صناعتها أو الترويج لها.
لذلك يجب ألا يجني أحدنا علي نفسه و يغتال بيديه القيم و المشاعر التي يتفرد كشخص بها، بدعوي العيب الإجتماعي. فهذا العيب صنعه الرجال بانفسهم و لأنفسهم، و هم الأقدر علي تغييره ..
وإن لم يحدث هذا فلا يغضب الرجل عندما يتحول الي مجني عليه و تتكالب عليه الهموم و الإنفعالات لتقتله، فيموت مفسحا المجال لمن هو أجدر منه بالبقاء و اقدر علي التكيف الاجتماعي والبكاء.