marwa adel :: مشرفـــة ::
المشاركات : 7565 العمر : 34 محل الاقامة : الاسكندرية الهوايات : الغناء بتشجع نادي إيه : الاهــــــــلـــــى لاعبك المفضل : ابو تريكة و ميسى
تاريخ التسجيل : 01/01/2010 التقييم : 40 نقاط : 17395 ::: :
| موضوع: دلائل النبوة (2) 2011-05-01, 3:17 pm | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الموضوع استكمالا للموضوع
دلائل النبوة (1)
إخباره صلى الله عليه وسلم بغيوب تحققت في حياته
الغيب سر الله ، فهو وحده تبارك وتعالى الذي يعلم السر وأخفى } وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ { (الأنعام: 59). والنبي صلى الله عليه وسلم كسائر البشر لا يعلم الغيب } قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملكٌ { (الأنعام: 50)، } قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذيرٌ وبشيرٌ لقومٍ يؤمنون { (الأعراف: 188). فإذا ما أخبر النبي عن شيء من الغيوب؛ فإنما يخبر بشيء من علم الله الذي خصه به وأطلعه عليه، ليكون برهان نبوته ودليل رسالته. ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن زهاء ألف أمر غيبي، بعضها في القرآن، وبعضها في السنة، وكل منها دليل على نبوته ورسالته. والغيوب التي أخبر بها صلى الله عليه وسلم على ضروب، فمنها ما تحقق حال حياته صلى الله عليه وسلم، ومنها بعده ، ومنها ما يكون قريباً من الساعة، وفي كل ذلك دلائل على نبوته ورسالته. ومن الغيوب التي تنبأ بها صلى الله عليه وسلم ووقعت حال حياته خبر الريح التي تنبأ صلى الله عليه وسلم بهبوبها وهو منطلق وأصحابُه إلى تبوك فقال: ((ستهبُّ عليكم الليلة ريحٌ شديدة، فلا يقُمْ فيها أحدٌ منكم، فمن كان له بعيرٌ فليشُدَّ عِقاله)). قال أبو حميد رضي الله عنه راوي الحديث: فهبَّت ريحٌ شديدة، فقام رجلٌ، فحملته الريح، فألقته بجبلي طيء.[1] فمن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهبوب هذه الريح في زمن ما كان الناس يقدرون على التنبؤ بالطقس وحركات الرياح؟ إنه الله الذي لا تغيب عنه غائبة. قال النووي: "هذا الحديث فيه هذه المعجزة الظاهرة؛ من إخبارِه عليه الصلاة والسلام بالمغيَّب، وخوفِ الضرر من القيام وقت الريح .. وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته , والرحمةِ لهم , والاعتناءِ بمصالحهم , وتحذيرِهم مما يضرُّهم في دين أو دنيا".[2] ومن إخباره صلى الله عليه وسلم بالغيوب تنبؤه بهزيمة الفرس وغلب الروم ، في وقت كادت دولة الفرس أن تزيل الإمبرطورية الرومانية من خارطة الدنيا، فقد وصلت جيوش كسرى أبرويز الثاني إلى وادي النيل، ودانت له أجزاء عظيمة من مملكة الرومان. سنواتٌ معدودة تمكن فيها جيش الفرس من السيطرة على بلاد الشام وبعض مصر، واحتلت جيوشهم أنطاكيا شمالاً، مما آذن بنهاية وشيكة للإمبرطورية الرومانية. وأمام هذا الطوفان الفارسي أراد هرقل ملك الروم أن يهرب من عاصمة ملكه القسطنطينية، وكاد أن يفعل لولا أن كبير أساقفة الروم أقنعه بالصمود وطلب الصلح الذليل من الفرس. ووسط هذه الأحداث - وخلافاً لكل التوقعات - أعلن النبي صلى الله عليه وسلم في أجواء مكة المتربصة به وبدعوته أن الروم سينتصرون على الفرس في بضع سنين، أي فيما لا يزيد عن تسع سنين، فقد نزل عليه قول الله تعالى: ]غلبت الروم % في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون % في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون % بنصر الله[ (الروم: 2-5). يقول المؤرخ إدوار جِبن في كتابه "تاريخ سقوط وانحدار الإمبراطورية الرومانية": "في ذلك الوقت، حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة، لم تكن أية نبوءةٍ أبعدَ منها وقوعاً، لأن السنين العشر الأولى من حكومة هرقل كانت تؤذن بانتهاء الإمبرطورية الرومانية". لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتنبأ بانتصار المهزوم الذي يكاد يستسلم لخصمه، ويحدد موعداً دقيقاً لهذا النصر الذي ما من شيء أبعد في تحققه منه. وتناقلت قريش هذه النبوءة الغريبة التي خالفت أهواءهم التي مالت إلى جانب الفرس إخوانِهم في الوثنية، بينما أحب المسلمون انتصار الروم لأنهم أهل كتاب، واستبشروا بالخبر. قال ابن عباس: (كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم، لأنهم وإياهم أهلُ أوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهلُ كتاب، فذكروه لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما إنهم سيَغلبون. فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا [أي بدوام انتصار الفرس] كان لنا كذا وكذا [أي من الرهن]، وإن ظهرتم [أي بانتصار الروم] كان لكم كذا وكذا، فجعل أجلاً خمس سنين، فلم يظهر الروم [أي في هذه السنينِ الخمس]. فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا جعلته إلى دون العشر [أي طلب منه زيادة الأجل إلى تسع سنين، لأن البضع في لغة العرب ما دون العشر]، والله قد وعد بظفر الروم في بضع سنين. قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر. قال: ثم ظهرت الروم بعد، قال ابن عباس: فذلك قوله تعالى: ]غلبت الروم % في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون % في بضع سنين [.[3] لقد كان الأمر كما تنبأ عليه الصلاة والسلام، ففي عام 623م وما بعدها استطاع هرقل أن يتخلص من لهوه ومجونه، وشن ثلاث حملات ناجحة أخرجت الفرس من بلاد الرومان. وفي عام 626م واصل الرومان زحفهم حتى وصلوا إلى ضفاف دجلة داخل حدود الدولة الفارسية، واضطر الفرس لطلب الصلح مع الرومان بعد هزيمتهم في معركة نينوى، وأعادوا لهم الصليب المقدس - عندهم - وكان قد وقع بأيديهم. فمن ذا الذي أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه النبوءة العظيمة؟ إنه وحي الله، وهو دليل رسالته ونبوته عليه الصلاة والسلام. ولو تأملنا قوله تعالى: ]غلبت الروم * في أدنى الأرض [ فإن أعيننا لن تخطئ برهاناً آخر من براهين نبوته صلى الله عليه وسلم، فقوله تعالى: ] في أدنى الأرض [ يشير إلى حقيقة علمية كشف عنها العلم الحديث، وهي أن البقعة التي انتصر فيها الفرس على الروم في منطقة الأغوار قريباً من البحر الميت هي أدنى الأرض، أي أخفض مكان في الأرض كما تؤكده الموسوعة البريطانية وغيرها[4]، إنه بعض علم اللطيف الخبير. ومما أطلع الله نبيه عليه من الغيوب التي لا يعرفها لولا إخبار الله له؛ خبر كتاب حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه الذي أرسله إلى قريش مع امرأة، يخبرهم فيه بعزم النبي صلى الله عليه وسلم على غزو مكة. فلما كشف الله ذلك لنبيه؛ بعث علياً والزبيرَ والمقدادَ بنَ الأسود، وقال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب، فخذوه منها))، يقول علي رضي الله عنه : فانطلقنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. [5] قال ابن حجر: "وفيه من أعلام النبوة إطلاعُ الله نبيه على قصة حاطب مع المرأة".[6] ومثله من الإخبار المعجِز نعْيُه لقادة مؤتة الثلاثة - وقد استشهدوا في الشام - وهو في المدينة ، يقول أنس رضي الله عنه : نعى النبي صلى الله عليه وسلم زيداً وجعفراً وابنَ رواحة للناس قبل أن يأتيَهم خبرُهم ، فقال: ((أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان؛ حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم)).[7] فالذي أعلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم بمقتلهم قبل أن يأتي خبرهم إلى الناس هو الله علام الغيوب، قال الطحاوي: "وفيه عَلَمٌ ظاهر من أعلام النبوة".[8] ومن إخباره صلى الله عليه وسلم بالغيوب؛ تعريفه أبا هريرة رضي الله عنه بحقيقة الشيطان المتمثل في صورة رجل، ، وتنبؤه بأنه سيأتي مرة بعد مرة، فقد جاءه شيطان، يسرق من طعام الزكاة، فأمسك به أبو هريرة، ثم خلّى عنه لما شكى الفقر والعَيْلة. يقول أبو هريرة: فخليتُ عنه، فأصبحتُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟)) فقلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة وعِيالاً، فرحمته، فخليتُ سبيله، قال: ((أما إنه قد كذَبك, وسيعود))، قال أبو هريرة: فعرَفتُ أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه سيعود)) ... وعاد الرجل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأطلقه أبو هريرة ثانية, فأخبره النبي بمقدَمِه ثالثة، فكان كما أخبر. فلما غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له صلى الله عليه وسلم: (( تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة؟)) قال: لا، قال: ((ذاك شيطان)).[9] قال ابن حجر: "وفيه إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على المغيَبات".[10] فهذه الغيوب وغيرَها مما أخبر به صلى الله عليه وسلم أدلةٌ واضحة وبراهينُ ساطعة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي غيوب أخبره بها عالمُ السر والنجوى.
إخباره صلى الله عليه وسلم بالغيوب المستقبلة التي تحققت بعد وفاته
ولئن دلت الغيوب التي ذكرناها قبل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فإن ما بين أيدينا من الغيوب أعظم دلالة، إذ سنتناول ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وتحقق بعد موته صلى الله عليه وسلم، فكان أيضاً برهاناً صادقاً على نبوته صلى الله عليه وسلم. وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً بين أصحابه، ولنسمع إلى حذيفة وهو يقص علينا الخبر. يقول حذيفة: "خطب خطبة، ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلا ذكره، علِمه من علِمه، وجهِله من جهِله"، يقول حذيفة: (إنْ كنت لأرى الشيء قد نسيتُ، فأعرِف ما يعرِف الرجل إذا غاب عنه، فرآه فعرَفه).[1] قال ابن حجر: "دل ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتُدئت إلى أن تفنى، إلى أن تُبعث , فشمل ذلك الإخبارَ عن المبدأ والمعاش والمعاد , في تيسير إيراد ذلك كلِّه في مجلس واحد من خوارق العادة أمرٌ عظيم , ويقْرَب ذلك - مع كون معجزاته لا مرية في كثرتها - أنه صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم". [2] وهذا الذي رواه حذيفة مجملاً؛ فصّله عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه ، فقال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطَبَنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة، فأعلمُنا أحفظُنا).[3] قال القاضي عياض: " من ذلك ما أطلع عليه من الغيوب وما يكون، والأحاديث في هذا الباب بحر لا يُدرك قعره، ولا ينزَف غمْرُه، وهذه المعجزة من جملة معجزاته المعلومة على القطع، الواصلِ إلينا خبرها على التواتر، لكثرة رواتها واتفاق معانيها على الاطلاع على الغيب".[4] ومن الغيوب الباهرة التي كشفت لنبينا صلى الله عليه وسلم خبر أم حرام بنت ملحان ، فقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا)). قالت أم حرام: قلتُ: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: ((أنتِ فيهم)). ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم)). فقلتُ: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: ((لا)). [5] قال ابن حجر: " وفيه ضروب من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما سيقع، فوقع كما قال , وذلك معدود من علامات نبوته: منها إعلامه ببقاء أمته بعده، وأن فيهم أصحابُ قوةٍ وشوكة ونِكاية في العدو, وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزوا البحر, وأن أمَّ حرام تعيش إلى ذلك الزمان, وأنها تكون مع من يغزو البحر, وأنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية ".[6] وفي حديث يرويه الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم نام يوماً في بيتها، ثم استيقظ وهو يضحك، فسألَتْه: ما يضحكك يا رسولَ الله؟ قال: ((ناس من أمتي عُرضوا عليّ غُزاة في سبيل الله، يركبون ثبج [ظهر] هذا البحر، مُلوكاً على الأَسِرّة، أو مثل الملوك على الأَسرّة)). قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها. ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فسألته أم حرام: ما يضحكُك يا رسول الله؟ قال: ((ناس من أمتي عُرِضوا عليّ غُزاة في سبيل الله )) فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: ((أنت من الأولين)). فركبت أمُّ حرامٍ بنتِ مِلحانٍ البحرَ في زمن معاوية رضي الله عنه ، فصُرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت.[7] وقد نقل الطبراني وغيره أن قبرها معروف في جزيرة قبرص.[8] فمن الذي أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بما يكون بعده؟ من الذي أعلمه بأن أمته سوف تغزو البحر من بعده، وأن أم حرام بنت ملحان ستعيش حتى تدرك هذا الغزو، فتشارك فيه؟ وبينما النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك؛ أنبأ أصحابه بوقوع ستة أحداث مهمة، رتب وقوعها فقال لعوف بن مالك: ((اعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتحُ بيت المقدس، ثم مُوتانٌ يأخذُ فيكم كقُعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يُعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنةٌ لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدِرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غايةٍ اثنا عشر ألفاً)). [9] وفي هذا الحديث يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أحداثاً ستة يرتبها، أولها: موتُه صلى الله عليه وسلم، ثم فتحُ بيت المقدس، وقد كان ذلك في العام الخامس عشرَ من الهجرة، ثم موت عظيم يصيب الصحابة، وتحقق ذلك في طاعون عِمواس في السنة الثامنةِ عشرة للهجرة، ثم استفاضةُ المال حين كثرت الأموال زمن الفتوح في عهد عثمان، ثم الفتنةُ التي تصيب العرب، وقد وقعت زمن فتنة قتل عثمان رضي الله عنه التي كانت بوابة للفتن التي ما تركت بيتاً إلا ودخلته. وأما العلامة الأخيرة، وهي الهدنة ثم الحرب مع بني الأصفر- وهم الروم - فقد اتفق العلماء على أنها لم تقع، وأن ذلك يكون في فتن وملاحم آخر الزمان. قال ابن حجر: " وفيه أشياء من علامات النبوة قد ظهر أكثرُها".[10] ولو شئنا الحديث عن الحدث الرابع منها؛ فإنا نذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يُهِمَّ ربَ المال من يقبلُ صدقَتَه، وحتى يعرِضَه فيقولَ الذي يَعرِضُه عليه: لا أَرَب لي)).[11]
قال ابن حجر: "في هذا الحديث إشارة إلى ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: إلى كثرة المال فقط، وقد كان ذلك في زمن الصحابة، ومن ثَم قيل فيه: ((يكثر فيكم)) .. الحالة الثانية: الإشارة إلى فيضه من الكثرة، بحيث أن يحصل استغناء كلُّ أحدٍ عن أخذ مالِ غيرِه, وكان ذلك في آخر عصر الصحابة وأولِ عصر مَن بعدَهم، ومن ثَم قيل: ((يُهِمَّ ربَ المال))، وذلك ينطبق على ما وقع في زمن عمرَ بنِ عبد العزيز. الحالة الثالثة: فيه الإشارة إلى فيضه وحصول الاستغناء لكل أحد، حتى يهتم صاحب المال بكونه لا يجد من يَقبل صدقته، ويزداد [أي الهمُّ] بأنه يعرضه على غيره؛ ولو كان ممن لا يستحق الصدقة، فيأبى أخذَه، فيقول: لا حاجة لي فيه، وهذا في زمن عيسى عليه السلام".[12] أي بعد نزوله. ومما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المغيبات - التي أطلعه الله عليها لتكون برهان نبوته - قدومُ أُويس القَرَني من اليمن، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعضَ صفته وأحواله ، فقال: ((إن رجلاً يأتيكم من اليمن، يقال له: أُويس، لا يدع باليمن غيرَ أمٍ له، قد كان به بياض، فدعا الله فأذهبه عنه؛ إلا موضعَ الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم)).[13] وقد كان كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فقد أقبل أهل اليمن زمن عمر؛ فجعل يستقري الرفاق، فيقول: هل فيكم أحد من قَرَن؟ حتى أتى على قرن، فقال: من أنتم؟ قالوا: قَرَن. قال: فوقع زِمامُ عمر رضي الله عنه أو زِمام أويس، فناوله أحدهما الآخر، فعرفه. فقال عمر: ما اسمك؟ قال: أنا أويس. فقال: هل لك والدة؟ قال: نعم. قال: فهل كان بك من البياض شيء؟ قال: نعم، فدعوتُ اللهَ عز وجل فأذهبَه عني إلا موضعَ الدِرهم من سُرَّتي لأذكر به ربي. فقال له عمر رضي الله عنه : استغفر لي. قال: أنتَ أحقُّ أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر رضي الله عنه : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن خير التابعين رجل يقال له أويس، ولهُ والدة، وكان به بياض، فدعا الله عز وجل، فأذهبَه عنه إلا موضعَ الدِرهم في سُرَّتِه)) فاستغفَر له أويس، ثم دخل في غِمار الناس، فلم يُدر أين وقع [أي ذهب].[14] قال النووي: "وفي قصة أويس هذه معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم".[15] ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن بركان يثور في الحجاز ينعكس ضوؤه بالشفق، فيلحظه أهل بصرى بالشام، فتحقق تنبؤه صلى الله عليه وسلم عام 654هـ، ليكون دليلاً آخر على نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، تضيء أعناقَ الإبل ببصرى)).[16] قال النووي: "وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت ناراً عظيمة جداً، من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة، تواتر العلم بها عند جميع الشام وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة".[17] قال ابن كثير: "وقد ذكر أهل التاريخ وغيرهم من الناس، وتواتر وقوع هذا في سنة أربع وخمسين وستمائة، قال الشيخ الإمام الحافظ شيخ الحديث وإمام المؤرخين في زمانه شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل الملقب بأبي شامة في تاريخه: إنها ظهرت يوم الجمعة في خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة .. وذكر كتباً متواترة عن أهل المدينة في كيفية ظهورها شرق المدينة .. وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أن أهل المدينة لجؤوا في هذه الأيام إلى المسجد النبوي، وتابوا إلى الله من ذنوب كانوا عليها". ثم نقل رحمه الله بعض ما قيل من شعر فيها: يا كاشف الضر صفحاً عن جرائمنا *** فقد أحاطـت بنـا يا رب بأساء نشكو إليك خُطوباً لا نـطيق لها *** حـملاً ونحـن بهـا حقاً أحقاء زلازل تخشع الصمُّ الصِّـلاد لها *** وكيف تقوى على الزلزال صماء أقام سبعاً يرجُّ الأرض فانصدعت *** عن منظر منه عين الشمس عشواء بحـر من النار تجري فوقـه سفن *** من الهضاب لها في الأرض إرساء يرى لهـا شرر كالقصـر طائشةٌ *** كأنهـا ديمـة تنصَبُّ هطْـلاء تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت *** رعباً وترعد مثل الشهب أضواء فيالهـا آية من معجـزات رسول *** الله يعقـلها أقـوام ألبـاء [18] ومن علامات نبوته صلى الله عليه وسلم إخباره عن ظهور الدجالين الذين يدَّعون النبوة، فقال محذراً منهم: ((لا تقوم الساعة حتى يُبعث دجالون كذابون قريباً من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله)).[19] وفي رواية: ((في أمتي كذابون ودجالون، سبعة وعشرون، منهم أربع نسوة، وإني خاتم النبيين، لا نبي بعدي)).[20] قال ابن حجر: "وليس المراد بالحديث من ادعى النبوة مطلقاً؛ فإنهم لا يُحصَون كثرة، لكون غالبهم ينشأ لهم ذلك عن جنون .. وإنما المراد من قامت له شوكة، وبدت له شبهة ".[21] وأول النسوة الأربع اللاتي يتنبأن بالكذب سجاحُ التميمية التي ادعت النبوة في وسط الجزيرة العربية، قال ابن حجر: "وقد ظهر مصداق ذلك في آخر زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج مسيلمة باليمامة, والأسود العنسي باليمن, ثم خرج في خلافة أبي بكر طليحةُ بن خويلد في بني أسد بن خزيمة, وسجاح التميمية في بني تميم.. ".[22] وقد نصّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنبأ عن دجالَيْن يظهر أمرهما بعده، وقد ادعيا النبوة في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وهما مسيلمةُ الكذاب في اليمامة، والأسودُ العنسي في اليمن. فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه أن في يديه سِوارين من ذهب، يقول صلى الله عليه وسلم: ((فأهمني شأنُهما، فأُوحي إليَّ في المنام أن انفُخْهما، فنفختُهما، فطارا، فأوَّلْتُهما كذابَيْن يخرجان بعدي)). وقد تحققت رؤياه، فكان مسيلمة أول الكذابَين، فقد قدم المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبِعتُه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده قطعة جريد فقال: ((لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتُكَها، ولن تعدوَ أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقِرَنك الله، وإني لأراك الذي أُريتُ فيك ما رأيت)). قال أبو هريرة: (فكان أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة).[23] قال النووي: "قوله: ((ولئن أدبرت ليعقرِنك الله )) أي إن أدبرت عن طاعتي ليقتلنك الله .. وقتله الله تعالى يوم اليمامة، وهذا من معجزات النبوة ".[24] فقد خرج الصحابة لقتاله، وقتله الله بأيديهم، فأطفأ كيده، وأطاش سهمه. ومثله رد الله كيد أخيه في الضلالة ، الأسودِ العنسي ثانيَ الكذابَيْن ، وذلك لما ادعى النبوة قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم, وتابعه قوم من أعراب اليمن, فقوي، واشتد بهم ساعِدُه, فقتله الله على يد فيروزٍ الديلمي وبعضِ المسلمين من أهل اليمن، بمساعدة زوجة الدعي الكذاب، فتحقق فيه ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه، فصارت ضلالته هباء تذروه الرياح }فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال{ (الرعد: 17). ومن الكذابين الذين ادعوا النبوة؛ كذابٌ أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخرج في ثقيف، وخبره نبأ صدق ترويه أسماء بنت الصديق، فقد دخلت على الحجاج بن يوسف الثقفي بعد مقتل ابنها عبد الله بنِ الزبير فقالت للحجاج: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذاباً ومُبيراً، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالُكَ إلا إياه).[25] قال النووي: " المبير: المهلك، وقولها في الكذاب: (فرأيناه) تعني به المختارَ بنَ أبي عبيد الثقفي، كان شديد الكذب، ومن أقبحه [أنه] ادعى أن جبريل صلى الله عليه وسلم يأتيه، واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختارُ بنُ أبي عبيد، وبالمبير الحجاجُ بنُ يوسف".[26] ومن أخبار المختار الكذاب ما ينقله لنا التابعي رِفاعة بنُ شداد، حيث يقول: دخلت على المختار الثقفي ذات يوم، فقال: جئتني والله، ولقد قام جبريل عن هذا الكرسي. يقول رِفاعة: فأهويت إلى قائم سيفي [أي ليقتله] ، فذكرتُ حديثاً حدثناه عمرو بن الحَمِقِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا اطمأن الرجل إلى الرجل، ثم قتله بعدما اطمأن إليه؛ نُصب له يوم القيامة لواءُ غدر))، قال رِفاعة: فكففتُ عنه.[27] وهكذا كان تنبؤ المختارِ الثقفيِ مُصدقاً لخبر أنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم عن الكاذب الذي يخرج في ثقيف، كما كان الحجاج هو الظالم الذي يكون من ثقيف، وهذا خبر وحي أخبره به ربه علام الغيوب. ولن ينقطع هؤلاء الكذابون في التاريخ، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم)).[28] ومن هؤلاء الدجالين الذين جاؤوا بالمنكر من القول؛ المتنبئ الكذاب ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ظهر قبل قرن من الزمان في الهند، وردّ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ادعى النبوة. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ضلالة هذا الدعي فيما رواه عنه المقدام بنُ معدي كرب حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحِلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه)).[29] قال المباركفوري: "وهذا الحديث دليلٌ من دلائل النبوة وعلامةٌ من علاماتها، فقد وقع ما أخبر به، فإن رجلاً قد خرج في البنجاب من إقليم الهند، وسمى نفسه بأهل القرآن، وشتان بينه وبين أهل القرآن، بل هو من أهل الإلحاد .. فأطال لسانه في رد الأحاديث النبوية بأسرها, وقال: هذه كلها مكذوبةٌ ومفترياتٌ على الله تعالى، وإنما يجب العمل على القرآن العظيم فقط، دون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم, وإن كانت صحيحةً متواترةً".[30] وهكذا، فإن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بخبر هؤلاء الكذابين إنما هو إخبار ببعض غيب الله الذي أطلعه الله عليه ، ليكون تحققه دليلاً على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وبرهاناً على نبوته ورسالته.
د. منقذ بن محمود السقار
وللحديث بقية في اجزاء قادمة انشاء الله........
|
|