حلف الفضول

حلف الفضول، حلف كريم تم في الجاهلية قبل البعثة النبوية، بل هو أشرف وأكرم حلف عرفته العرب آنذاك، وهو يتفق في جوهره مع قيم الإسلام، وينسجم مع مبادئه من أجل نصرة المظلوم والوقوف إلى جانبه، والأخذ على يد الظالم وردعه وزجره، وانتزاع الحق منه. وقد حضر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هذا الحلف وشارك فيه وهو في سن العشرين، وبعد النبوة والوحي بارك رسول الله هذا الحلف وأشاد به وعبر عن إعجابه بما تم فيه وقال: لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً ما أحب ان لي به حمر النعم، ولو ادعى به في الإسلام لأجبت. وكان السبب المباشر لإنشاء الحلف ما ورد ان رجلاً قدم مكة فباع تجارته للعاصي بن وائل، فرفض دفع قيمتها له، فقام الرجل واستصرخ أهل مكة لنجدته ومساعدته على تحصيل حقه، فقال الزبير بن عبدالمطلب وهو أول من نادى بهذا الحلف ودعا إليه: مال هذا مترك، يعني هذا ظلم واضح، إنسان يبيع بضاعته، ولا يأخذ ثمنها! فصنع لهم عبدالله بن جدعان طعاماً، وتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونن مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفه! أي إلى الأبد.
وكان عبدالله بن جدعان ذا شرف وسن في قومه، وكان يكنى أبا زهير، وكان رجلاً واسع الثراء جواداً كريماً ليس لكرمه حدود، ويروى ان جفنته التي كان يطعم منها ضيوفه كان يأكل منها الراكب على البعير!. وقد ظل النبي، صلى الله عليه وسلم، وفياً لابن جدعان يذكره ويشيد بمآثره ورغم انه أجاب عائشة عندما سألته فقالت: يا رسول الله: إن ابن جدعان كان يطعم الطعام، ويقري الضيف، ويفعل المعروف، فهل ينفعه ذلك يوم القيامة؟ فقال: لا، لأنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. ورغم ذلك فإنه عليه السلام قال في أسرى بدر: لو كان أبوزهير - أي صصابن جدعان - أو مطعم بن عدي حيا فاستوهبهم لوهبتهم له!
وكان عرب الجاهلية يتمتعون بكثير من المكارم والقيم والأخلاق ويتنافسون فيها، فلقد كانوا أهل نخوة وشهامة وشجاعة وكرم، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يمدح خصال الخير التي اتصفوا بها «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وعندما كان يأتيه مَنْ عُرف بهذا الخلال ليسلم بين يديه يقول له: أسلمت على ما أسلفت من خير. ويقول: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا.
ويمثل هذا الحلف تعاونا على الخير والبر والمعروف، وهذا ما دعا إليه القرآن: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». كما أنه يمثل الدعوة لنصرة الحق وقمع الباطل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفساد، وهذا ما حض عليه المولى سبحانه «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» وقال، صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». بل «وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان».
وفي مباركة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لهذا الحلف دلالة على ان المسلم ينطلق في تعامله مع الأحداث من قاعدة الحق والخير، فيشجع أعمال الخير والاصلاح والتكافل، والأعمال الإنسانية والدفاع عن حقوق الإنسان الذي كرمه الله «ولقد كرمنا بني آدم»، وحماية الحريات ومناصرة المظلومين والمضطهدين، ويقوم برعاية المحتاجين والضعفاء ويغيث الملهوفين، ويدعم كل اتجاه في هذا السبيل، ويرفض كل حلف أو اتجاه أو معاهدة يتضمن الظلم والبغي والعدوان والطغيان، فلماذا لا يقوم عقلاء وكبار كل حي وبلدة أو مدينة بإنشاء حلف ــ أو هيئة اصلاحية بلغتنا المعاصرة ــ أو لجان أو تجمع، لنصرة المظلوم وردع الظالم. والعقلاء والحكماء في كل بلد، لن يعدموا إيجاد الآلية لتنفيذ حلف فضول جديد، فكم من أناس ظلموا وأفسدوا وأكلوا حقوق الضعفاء والمساكين، ولم يجدوا من يردعهم، فاستغلوا ضعف هؤلاء فامتصوا دماءهم وعرقهم، وكم من أناس يقع عليه الظلم فيلوذون بالصمت، لأنهم لم يجدوا على الحق معينا، وفقدوا النصير، واصيبوا باليأس والإحباط! وطعم الظلم مر، والأشد مرارة شعور المظلوم بأنه أسير بين يدي ظالمه لا يقوى على مواجهته، ولا الفكاك والافلات من بين يديه! يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الظلم ظلمات يوم القيامة». ويقول بعض العلماء: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة! وقد علمنا الإسلام أن ننهض بالحق ونجهر به، ونناصر المظلومين «إنما تنصرون بضعفائكم».ودعوة المظلوم مستجابة، والله يقول له كما في الحديث القدسي: «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين».

بارك الله فيك
توبيك مفييييد

جزاكم الله كل خير
نورتو التوبيك

توبيك جميل جدا

جزاك الله خيرا يامحمود

جزاكى الله كل خير يا شوشو
نورتى التوبيك