رحم الله أبا ذر
موقفه في غزوة تبوك
مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه نحو تبوك ، ، فجعل يتخلف عنه الرجل ، فيقولون : يا رسول الله ؛ تخلف فلان .
فيقول : دعوه ؛ فإن يكُ فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم ، وإن يكُ غير ذلك فقد أراحكم الله منه .
حتى قيل : يا رسول الله ؛ تخلف أبو ذر ( جندب بن جنادة ) ، وأبطأ به بعيرُه .
فيقول : دعوه ؛ فإن يكُ فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يكُ غيرَ ذلك فقد أراحكم الله منه .
وتلوّم ( تمهّل ) أبو ذر على بعيره ، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره ، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً .
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله ، فنظر ناظر من المسلمين ، فقال : إن هذا رجل يمشي في الطريق وحده .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن أبا ذر .
فلما تأمله القوم قالوا : يا رسول الله هو – والله – أبو ذر .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويُبعث وحده .
وفي عهد عثمان رضي الله عنه نُفي أبو ذرإلى ( الرَبَذة ) ، ولم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامُه . فأوصاهما : أن اغسلاني وكفـّناني ، ثم ضعاني على قارعة الطريق ، فأوّل ركب يمر بكم فقولوا : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعينونا على دفنه.
فلما مات فعلا به ذلك، ثم وضعاه على قارعة الطريق.
وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق ، فلم يرُعهم إلا الجنازة على الطريق ، قد كادت الإبل تطؤها . وقام إليهم الغلام . فقال : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعينونا على دفنه .
فاستهل عبد الله بن مسعود يبكي ويقول : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتُبعث وحدك .
ثم نزل هو وأصحابه فوارَوه التراب.
المسلم الثابت على المبدأ ، المؤمن به ، الواهب نفسه له لا يحفل بالمصاعب . وهكذا فعل أبو ذر رضي الله عنه، إذ رأى ضعف ناقته عن المسير، فصبر عليها حتى علم أنها لن تقوى عليه ، فحمل أمتعته ومشى مسرعاً إلى ركب الرسول صلى الله عليه وسلم يغذ السير وحيداً فريداً. وكان عند حسن ظن حبيبه به. ويبتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفرح به، ويدعو له مادحاً " رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويُبعث وحده .
وتمر الأيام ، ويصدق في أبي ذر رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم . إن لأبي ذر أسوة حسنة في سيدنا إبراهيم فقد كان أمة وحده كذلك . لقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما قاله في أبي ذر ، ولم يكن يخطر بباله أنه سيكون ممن يشهد بصدق هذا الحديث حين يرى جثمان أبي ذر ، ويدفنه في تلك الصحراء . ويبكي ابن نسعود رحمة بأبي ذر وشوقاً إلى النبي الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.