لعله من
المؤلم والمؤسف معا ، ما شهدته المنصة الرسمية لاستاد عمان الدولي من أحداث مؤسفة
في ختام الموسم الكروي الاردني ، قلبت الطاولة على رؤوس المتفائلين بمتابعة خاتمة
سعيدة للنسخة الثالثة من مواسم الإحتراف "المزعوم" في كرة القدم الأردنية
!
من المؤسف أن تكون الحجارة والكراسي المتطايرة والشتائم المقززة العنوان
الأبرز لمراسم تتويج فريق الوحدات بطلاً لمسابقة كأس الاردن بعد فوزه على منشية بني
حسن في المباراة النهائية.. ومن المعيب حقاً أن تنفلت زمام الأمور بتلك الصورة
القاتمة التي لم تكن مستغربة – بالنسبة لي على الأقل- كيف لا .. و الجهات الرسمية
تمارس سياسة الصمت المطبق إزاء ما تتعرض مبادئ الروح الرياضية النبيلة من ذبح
متواصل على إيدي شريحة من الجماهير الموتورة التي ما فتأت تعيث فساداً في فضاء
الكرة الأردنية ولم تتردد يوماً في التنفيس عن أحقادها الدفينة في المدرجات التي
هجرها عشاق الكرة الجميلة لمصلحة زراع الفتنة في الوسط الرياضي!!.
ويبدو أن
الكرة الأردنية باتت تعيش حالة نوعية من الشغب الكروي ربما لا نجد لها مثيلاً في
المنطقة العربية على الأقل ,, وهي حالة قديمة متجددة لم تجد من يتعامل معها بالجدية
الكافية ..ولم تتعاطى معها الجهات المختصة بالأهمية المطلوبة.. فكانت النتيجة أن
أضحت ملاعب الكرة الأردنية مرتعاً خصباً ليس فقط لمثيري الشغب الرياضي وإنما أيضا
لأعداء الوحدة الوطنية الذين لم يتورعوا عن الإساءة إلى الرباط المقدس الذي يجمع
الأردنيين جميعاً ولم ينفكوا في نفث سمومهم البغيضة التي تحاول خدش كبرياء النسيج
الإجتماعي لبلدٍ ظل على الدوام أنموذجاً عربياً مشرقاً في التعايش الإجتماعي الراقي
بين كافة مكوناته.
لا يمكن أن يكون حادث المنصة إلا نتيجة حتمية لسنوات
طويلة من العجز الواضح عن اجتثاث مصطلح "الفئة المندسة" من القاموس الكروي الأردني
والتعامل مع هذا المصطلح ك"قميص عثمان" في تبرير الحالات المتكررة من ضرب الوحدة
الوطنية بشتائم وشعارات تعبر بجلاء عن ما يتصف به مطلقوها من "أمراض نفسية مزمنة"
لم تجد للأسف علاجاً شافياً لها .. كما لم تجد من يشخصها في إطارها الصحيح الذي
تجاوز الحدود الرياضية كثيراً وأصبح يأخذ أبعاداً خطيرة بدأت تستفحل في المجتمع
الأردني أمام مرأى ومسمع صناع القرار دون أن نلمس وجود نوايا صادقة وإجراءات رادعة
بحق كل من تسول له نفسه الإساءة إلى وحدة وترابط أبناء الأردن .
باختصار ..
فإن معالجة الحالة النادرة من الشغب الكروي في الأردن التي تفوق خطورتها بمراحل
حالات الشغب بمفهوما العالمي السائد .. تتطلب ما هو أكثر من إجتماع للجنة النظام
والسلوك في إتحاد كرة القدم يخرج بقرارات هزيلة. ولا حتى جلسة لمجلس إدارة الإتحاد
يفضي إلى خطاب إنشائي لا قيمة له ..أو ورش عمل لجهات رياضية رسمية تخرج بتوصيات
تبقى حبيسة الأدراج .. إنها تقتضي وضع إستراتيجية وطنية متكاملة تتعامل مع الوضع
الراهن في مدرجات الكرة بأقصى درجات الأهمية حتى وإن تطلب الأمر وضعها على سلم
الأولويات الوطنية وخلق البرامج والآليات الكفيلة بتطهير مجتمع الكرة الأردنية من
هذه الظاهرة .. وهو ما يستدعي باعتقادي عدم الاقتصار إلى التقارير الرسمية التي لا
تقول الحقيقة غالياً ،وإنما الإستعانة بخبراء مختصين في مجالات الدين والقانون
والطب النفسي والإعلام ليساهموا في وضع "الروشتة" اللازمة لوأد هذه الآفة "المسكوت
عنها" منذ سنوات طويلة والتي لم تعد سياسة التخدير تجدي نفعاً إزاءها،ولم تعد
القرارات الترقيعية قادرة على كبح جماح نموها المتصاعد .