السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الفاضل أحسن الله إليك ورفع قدرك
سؤال حيرني وأتعبني حاولت التغلب على نفسي فيه مرارا ولكن لم أفلح ففي كل
مرة تكون لها الغلبة , عانيت منه كثيرا ولا زلت أعاني , أشغل نفسي , بكل ما
كنت أحبه سابقا ولكن لا أستطيع الاستمرار
سؤالي لو تكرمت لي شيخي الفاضل :كيف يفرغ الإنسان قلبه لحب الله ؟ كيف أرى
الدنيا بحقيقتها ؟ لا بعيني فقد أخذت مني أكبر من حقها ومن جهدي ووقتي فقد
حاولت مرارا ولن أيأس بإذن الله ولكن ربما طريقي الذي سلكته لذلك خطأ فكيف
أبدأ حفظك الله ؟
فقد أتعبتني الدنيا وملأت قلبي
أسأل الله أن لا يميتك إلا على لا إله إلا الله
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
الدنيا لا تُذَمّ لِذاتها ، ولا يُذمّ طَلب الدنيا إذا كان مِن أجل
الاستغناء عن الناس والاستعفاف عمّا في أيديهم ، وإنما يُذَمّ التهافت
عليها ، وأن تكون هي همّ الإنسان ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : مَن
كانت الآخرة هَمّه جَعل الله غِناه في قَلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا
وهي رَاغِمة، ومن كانت الدنيا هَمّه جَعل الله فَقْره بين عيينه ، وفَرَّق
عليه شَمْله ، ولم يأته مِن الدنيا إلاَّ ما قُدِّر له . رواه الترمذي ،
وحسّنه الألباني بمجموع طُرُقه .
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَاهِلِيُّ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سُفيان
الثَّوْرِيِّ يُشَاوِرُهُ فِي الحَجِّ . قَالَ: لاَ تَصْحَبْ مَنْ يُكرَمُ
عَلَيْكَ ، فَإِنْ سَاوَيتَه فِي النَّفَقَةِ أَضَرَّ بِكَ ، وَإِنْ
تَفَضَّلَ عَلَيْكَ اسْتَذَلَّكَ .
وَنَظَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ وَفِي يَدِهِ دَنَانِيْرُ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ ! تُمْسِكُ هَذِهِ الدَّنَانِيْرَ ؟!
قَالَ : اسْكُتْ ، فَلَوْلاَهَا لَتَمَنْدَلَ بِنَا المُلُوْكُ !
قَالَ : قَدْ كَانَ سُفْيَانُ رَأْساً فِي الزُّهدِ ، وَالتَّأَلُّهِ ،
وَالخَوْفِ ، رَأْساً فِي الحِفْظِ ، رَأْساً فِي مَعْرِفَةِ الآثَارِ ،
رَأْساً فِي الفِقْهِ ، لاَ يَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ مِنْ
أَئِمَّةِ الدِّيْنِ . انتهى مِن سِيَر أعلام النبلاء للذهبي .
فلم تضرّه الدنيا ، ولا كثرتها .
وكذلك كان الإمام ابن المبارك ، كان مِن أصحاب الأموال ، وكان عالِما مُجاهِدا .
وهذا هو شأن الصالحين : أن تكون الدنيا في أيديهم ولا تكون في قلوبهم .
والله اعلي واعلم