أيها الإخوة المواطنون:
لم أكن أنتوى التحدث إليكم منذ أن لاحظت الاستقبال العدائى الذى تلقيتم به
كلمتى المسجلة الأخيرة التى حاولت أن أصارحكم فيها بحقيقة موقفى المالى،
لكننى قررت أن أتحدث إليكم مجددا، لأنه ليحزّ فى نفسى أن أرى بنى وطنى
يتناقلون أكاذيب تزعم أننى تأثرت بما شاهدته من صور للأخ العقيد معمر
القذافى رحمه الله وهو يتعرض لأبشع أنواع الانتهاك على أيدى المتآمرين من
أبناء شعبه، وزعم المرجفون أننى خفت من أن
ألقى نفس ذلك المصير وأُصبت بحالة عصبية حادّة، وأودّ أن أقول لهم إن حسنى
مبارك يعرف جيدا أن إخوته فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة لن يسمحوا له
أبدا إلا أن يلقى كل معاملة كريمة يستحقها، وإننى إذ أجدد لهم الشكر على
رفضهم الاستجابة للضغوط الغوغائية التى طالبَت بإدخالى إلى السجن، فإننى
أعلن تفهمى لاستجابتهم للضغوط التى مارسَتها الملايين المخدوعة الراغبة فى
رؤيتى داخل قفص الاتهام، ورغم ألمى وأنا أتعرض لذلك فقد شعرت بالفخر وأنا
أتلقى أنا وأبنائى خالص التحيات وصادق الاحترام من طواقم الحراسة المرافقة
لى، والذين أشعرونى أن كل ما قدمته لهم ولقادتهم من دعم ومساندة لم يذهب
هباءً.
بنى وطنى: أوجّه إليكم هذه الكلمة وأنتم مقبلون على بداية
المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية التى أقرأ كثيرا مَن يبالغ فى
وصفها بأنها ستكون أول انتخابات نزيهة فى تاريخ مصر، ويتخذ منها فرصة
لتوجيه القدح والذم إلى كل الانتخابات التى جرت فى عهدى، ولهؤلاء أقول إنكم
ستعرفون لماذا كان حسنى مبارك يتحكم فى نتائج الانتخابات عندما ترون
نتيجتها الفاجعة التى ستنتهى بانتصار التيار الدينى المتطرف الذى قضيت
حياتى كلها وأنا أدفع خطره عن مصر، إن هذه الانتخابات ستجعلكم تعرفون جيدا
قيمة مبارك عندما يتولى أمركم من يقمعكم باسم الدين ويصادر حرياتكم الفردية
وينقلب على كل تعهداته بالحوار والعقلانية من أجل أن يطبق عليكم ما يتصور
أنه إرادة الله، عندها فقط ستعرفون كيف كنت أحكم البلاد بالطريقة التى
استخدمتها خلال الثلاثين عاما، وستترحمون على أيامى، وأسأل الله العلىّ
القدير أن يمد فى عمرى حتى أرى هذه اللحظات.
أيها الإخوة
المواطنون: لقد استمعت طيلة الأشهر الماضية إلى كمّ من الأكاذيب لم يتورع
فى إطلاقه الجميع، لكننى لم أتوقف عند ما قاله الذين كانوا يعارضوننى فى
عهدى، فأنا أعلم دوافعهم ومن يدفع لهم جيدا، بل توقفت بمنتهى القرف
والاشمئزاز عند أكاذيب أطلقها الذين كانوا يتزلفون لى وينافقوننى ويتوسلون
رضاى عنهم، بل ويكتبون لى التقارير فى زملائهم ويكوّنون الثروات بطرق غير
مشروعة فى عهدى، لقد أدركت كم كنت مخطئا عندما تركت لبعضهم الحبل على
الغارب لكى يخدع الناس برسم صورة المعارض الشريف الحر، كنت أتصور ذلك أمرا
لازما لدوام الهامش الديمقراطى وللتخفيف من حدة الصراع السياسى، واستمعت فى
ذلك إلى مستشارين أجانب ثبت أنهم لم يدركوا طبيعة الحياة لدينا، ليتنى كنت
استمعت إلى الأمثال الشعبية التى تتحدث عن كيفية التعامل مع قليلى الأصل
والذين يتصفون بالوضاعة والدناءة، ليتنى فضحتهم أمام الناس على حقيقتهم لكى
لا أشعر بالقهر الآن وأنا أراهم يتاجرون بسيرتى، وينسون أنه لو كان حكمى
فاسدا كما يقولون فقد كانوا جزءا من فساده، وإذا كان واجبا أن أرحل فمن
الواجب أن يرحلوا هم أيضا ويتركوا الفرصة للأجيال الجديدة المخدوعة فيهم.
لقد فاض بى الكيل مما أراه من رغبة عارمة لدى جميع من على الساحة فى
تحميلى كل ما يوجد فى مصر من أخطاء يحاولون تصويرها على أنها خطايا، لقد
نسى هؤلاء أننى إذا كنت قد حكمت مصر ثلاثين عاما فإننى لم أكن مسؤولا عن
ذلك وحدى، لقد كنت أنتوى الترشح لفترة رئاسية واحدة كما تعهدت وكنت أنوى أن
لا أجدد، لكننى بعد سنوات من الحكم وجدت أن كل مَن تصورت أنهم سيعارضوننى
لو واصلت الحكم هم الذين يتزلفون لى ويزينون لى أن أبقى فى الحكم، كنت أضحك
وأنا أراهم يتقافزون بين يدَىّ مقدمين فروض الولاء والطاعة، كنت أندهش
وأنا أرى أسماء كبيرة كان من سبقونى إلى الحكم يتعاملون معها بخوف وخشية،
وها أنا ذا أراها تتذلل لى وتقول فى حقى كلاما أعلم أنه ليس صحيحا، لكننى
كنت أعجب من قدرة أصحابها على إلباس كلامهم ثوب الحقيقة التى يقولونها لوجه
الوطن.
إذا كنتم ترون أننى لم أكن كفئا فى حكم مصر، فتذكروا أننى
لم أحكمها وحدى، بل حكمتموها أنتم معى، وأنتم تتحملون مسؤولية ذلك مثلى
تماما، لقد حاولت منذ بداية حكمى أن أتعلم من أخطاء من سبقونى فلا أتورط فى
إصدار قرارات تصطدم بالجماهير وتغضبها، لكننى كنت أندهش عندما يحدث ذلك
الاصطدام أحيانا فأرى أنه مر بسلام لم أكن أتوقعه، كنت أندهش عندما أكتشف
أننى كنت أقدر الناس أكثر مما تستحق، وأن من يمتلك السلطة فى هذه البلاد
قادر على أن يفعل المعجزات، وأن لدى كثير منكم استعدادا للتآلف مع أى رغبة
يصدرها الحاكم، هكذا وجدت نفسى وأنا الذى كنت أشعر بمسؤولية رهيبة ملقاة
على عاتقى فى سنواتى الأولى، أحكم مصر بمنتهى السلاسة والسهولة لمدة ثلاثين
عاما لدرجة أن بعضكم كان يرغب فى أن أحكمها فترة أطول بدلا من منح ابنى
جمال فرصة حكمها.
بنى وطنى إذا كنتم حقا راغبين فى محاسبتى على كل
ما حدث خلال هذه الأعوام، فلماذا لا تبدؤون بمحاسبة أنفسكم أنتم أيضا؟ لقد
استمعت منكم طيلة الأشهر الماضية إلى سيل من الاتهامات يخصنى ويخص أسرتى،
ولم أعلّق على ذلك ولن أعلّق، فقط أريد أن أسألكم: متى سأستمع منكم إلى
حديث عن خطاياكم وجرائمكم؟ إننى أنظر إلى ما يدور بينكم هذه الأيام من
صراعات وخلافات واشتباكات، فأشعر بالفخر، لا لِمَا يقوله البعض منكم عن
علاقتى بكل كبيرة وصغيرة تحدث بينكم، بل لأننى كنت محقا فى أن أتعامل معكم
بالطريقة التى حكمت بها، ها أنتم أولاء تثبتون أنكم لستم قادرين على إدارة
أى حوار بينكم، فلماذا كنتم تغضبون عندما لم أكن أستمع إليكم؟ هل عرفتم
الآن لماذا كنت أتعامل مع العمال والموظفين والفلاحين والطلبة والناشطين
السياسيين بالشدة اللازمة؟ وأنتم تدركون أنكم غير قادرين على الاتفاق على
أى شىء، هل تعرفون إذن لماذا كنت وحدى الذى أقرر وأحكم وآمر وأنهى؟ بنى
وطنى: حتى لو كنت شيطانا، فلستم شعبا من الملائكة، وإذا كنتم تتصورون أننى
كنت خطيئة كاملة ستستقيم حياتكم لو تطهرتم منها، فمن سيطهركم من خطاياكم؟
ومن سيواجهكم بها؟
وإذا كنتم قد حاكمتمونى، فمن سيحاكمكم؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بلال فضل