حاكم بالدمعة!

موضوع: حاكم بالدمعة! 2011-11-09, 1:57 pm

حاكم بالدمعة!

لا، معلهش، يصعب أن أصدق أن الرئيس المخلوع حسنى مبارك أجهش بالبكاء فور
رؤيته ملك البحرين الذى زاره فى جناحه بالمركز الطبى الذى كان عالميا وأصبح
مباركيا. لا لأن مبارك لا يمتلك غددا دمعية، أو لأن الزيارة لم تحدث من
الأساس كما قال سفير البحرين بالقاهرة، بل لأننى أتخيل سيناريو مختلفا
للزيارة، إن كانت قد تمت، أظنه السيناريو الذى حدث وسيحدث فى كل الزيارات
التى تلقاها أو سيتلقاها المخلوع.

أظن
أن مبارك سيكون دائما أمام زائريه فى غاية التماسك، سيحتضن زائره بنفس
طريقته الرئاسية فى الاحتضان، سيكون مستعدا لاستقباله بملابس أنيقة وضحكات
لا مبالية ستدهش الزائر بقدرة مبارك على الاحتمال والجَلَد، وإذا عبّر عن
إعجابه بذلك سيقول له مبارك إنه يعتبر ما يحدث له ابتلاء من الله سيعبر
سريعا، وأن المؤمن مصاب، وأن مصر تدفع الآن ثمن ظلمها له، وستظل تدفع أكثر
وأكثر حتى يخرج شعبها عن بكرة أبيه ليهتف باسمه ويعتذر له عما تسببت فيه
قلة منه، سيبدو الزائر مندهشا بمتابعة مبارك كل التفاصيل التى تحدث فى مصر،
بل إنه ربما سمع منه أسرارا لا يعرفها الزائر نفسه، سيُرِى الزائرَ سجلا
بأسماء كل من يتصل به أو يرسل إليه تلغرافات أو رسائل، وأخيرا سيُطلِع
الزائر على أرشيفه الخاص الذى يجمع فيه أخبار المصائب التى تتعرض لها مصر
كل يوم قبل أن يرفع رأسه بفخر قائلا «شفت ربنا بيخلّص فيهم إزاى، ولسه.
سيبهم يتربوا».

صدقنى، الحاكم الذى لا يبكى على ما فعله بوطنه
وشعبه، لن يبكى أبدا على نفسه، مهما جرى له. تَذكّر أن مبارك لم تغيره أفظع
تجربة يمكن أن يمر بها إنسان على الإطلاق، تجربة وفاة حفيده رحمه الله
التى واصل بعدها ظلمه وفساده بشكل أنكى، هل تذكر عينيه الميتتين وهو يقول
فى مجلس الشعب «سيبوهم يتسلوا»؟ هل بدا لك أنها يمكن أن تحمل رغبة فى
التطهر؟ هل بدا لك أنه بسبب استمواته على السلطة تذكر حفيده ولو للحظة؟ لو
كان قد فعل لما كان قد سقط كل هؤلاء الشهداء والجرحى ولما نزفت مصر كل ما
نزفته.

تذكر معى عينى معمر القذافى عندما أمسك به ثوار ليبيا وهم
يمعنون فيه تنكيلا وأذية، كان يبدو تائها حائرا كأنه أخذ جرعة من الحبوب
المخدرة التى يتعاطاها السجناء لكى يحتملوا التعذيب، لم يجد ما يقوله
للثوار سوى «ماتخافون الله؟! ماتعرفون الرحمة؟!»، وهى جمل كانت كافية
لاستفزازهم أكثر وجعلهم يمعنون فى تعذيبه، فكل واحد منهم كان قد اكتوى
بنيران رحمة القذافى الذى تذكر الله متأخرا ككل الطواغيت والفراعين. تأمل
فى عينى السفاح على عبد الله صالح قبل حرقه وبعد أن عاد إلى الحكم بعد
الترميم السعودى لجسده لن تجد أى مشاعر إنسانية على الإطلاق سوى الرغبة فى
الانتقام والفتك. حتى زين العابدين بن على وهو يقف مرتعشا مرتعدا يقول
لشعبه «فهمتكم فهمتكم»، لن تجد فى عينيه لو تأملتهما رغبة فى التطهر أو
الإصلاح بقدر ما ستجد تساؤلات عن أفضل طريقة للتخلص من هذه الورطة بأقل
خسائر مادية ممكنة. هل يبدو لك أن بين حجر الجرانيت وعينى بشار الأسد فرقا
وهو يواصل إلقاء أكاذيبه على شعبه؟ كل هؤلاء الطغاة لم يحمل أحد منهم همًّا
وطنيا أو حلمًا إنسانيًّا يجعله يبكى ندما أو رغبة فى التطهر، كل واحد
منهم نال فرصا للإصلاح والتغيير والتطهر لم يمنحها الله عز وجل لأحد آخر من
خلقه، ومع ذلك فقد عَمُوا وصَمّوا ثم عَمُوا وصَمّوا وأصرّوا واستكبروا
استكبارا، فكيف ننتظر منهم دموع الندم ولو بعد فوات أوان الندم؟

فى مذكراته فائقة الأهمية يحكى نوبار باشا عن دموع حاكم من حكام مصر سالت
غزيرة منهمرة، لكنها سالت قبل أن يترك الحكم، وهو ما أعطى لها معنى شديد
الخصوصية، كانت تلك دموع والى مصر سعيد باشا الذى حكمها بعد محمد على باشا
وعباس باشا، كان قد أغرق البلاد فى أزمات اقتصادية جسيمة بسبب ثقته
بالمغامر الفرنسى ديليسبس، وقد رآه نوبار يبكى فى ليلة تسبق سفره إلى باريس
والباب العالى لمحاولة حل أزمات البلاد، اندهش نوبار، فقد كان يرى الوالى
دائما مرحا غير مكترث بشىء، وعندما سأله عن سبب بكائه فوجئ به يقول «لقد
خربت مصر، خربتها تماما، ماذا سيقولون عنى؟»، حاول نوبار أن يخفف عنه
ويذكّره بإنجازات حقيقية فعلها لمصلحة الشعب الذى كان يمتلك أحلاما عظيمة
من أجله، فهدأ سعيد قليلا وقال له «بلى، لقد فعلت كل شىء من أجل رفعة الشعب
المصرى»، بدا نوبار فى مذكراته خجلا لأنه لم يصارح سعيد بالحقيقة الكاملة،
لكنه التمس العذر لنفسه لأنه كان يهدف إلى مواساته لا إلى إثارة شجونه،
لكن طمأنة نوبار لم تُزِل مخاوف سعيد تماما، فقد ظل فى أواخر أيامه مشغولا
بما سيقوله التاريخ عنه، لدرجة أنه سأل خادمه عنترى وهو يصب عليه الماء
خلال حمامه اليومى «عنترى، ألم تفكر أبدا ماذا سيقول التاريخ عنك؟ ألا تخجل
أم أنك لا ترغب فى أن يقول التاريخ بأنه كان هناك عنترى إلى جوار أمير
كبير، وكان يستطيع أن يتكلم معه لكنه لم يفعل شيئا من أجل قريته ولا
أهله؟أهذا ما تريد أن يقول التاريخ عنك؟»، يروى نوبار أن سعيد وسط انشغاله
المحموم بما سيقوله التاريخ عنه، سأل مرة حلاّقه العجوز الحاج على عما
سيقوله التاريخ عن عرفان رئيس خدم قصر الوالى، فأجابه الحاج إجابة عبقرية
«سيدى، سيقول التاريخ إن عرفان كان يأكل ويشرب ويدخن وينام»، ودفع الحاج
ثمن تلك الإجابة خمس عشرة ضربة بالعصا لأن عرفان كان يسترق السمع من وراء
الباب.

فى اعتقادى لو كان مبارك مهتما بما سيقوله عنه التاريخ
لصدّقت أنه يبكى بالدموع كل ليلة على ما ضيعه من فرص كان يمكن أن تضع مصر
وشعبها فى أرفع مكانة، لكن مبارك ببساطة كان يأكل ويشرب ويقمع ويفسد وينام،
ولذلك أظن أن الشىء الوحيد الذى كان سيُبكِيه بحرقة، لو كان ملك البحرين
قد أخبره مثلا بضياع ثرواته التى قام بتهريبها هو وأولاده خارج مصر، عندها
فقط كان مبارك سيبكى بدل الدموع دما. لكن بكاء مبارك أو ضحكه الآن ليس
مهمًّا لمصر، المهم الآن هل يفكر المشير طنطاوى فى ما سيقوله عنه التاريخ
لو أضاع فرصة تحقيق الثورة المصرية مطالبها كاملة؟ أتمنى أن يكون المشير
مشغولا بما سيقوله عنه التاريخ ولا يكون من معتنقى منهج عرفان فى التعامل
مع التاريخ.

حفظ الله مصر ورزقها حُكّامًا بكّائين ولو كانوا خطّائين، فخير الخطّائين البكّاؤون.

بلال فضل

موضوع: رد: حاكم بالدمعة! 2011-11-09, 2:49 pm

Gamed awi ya belal
teslam edeki 3almaqal el to7fa Da

موضوع: رد: حاكم بالدمعة! 2011-11-09, 10:37 pm

حفظ الله مصر ورزقها حُكّامًا بكّائين ولو كانوا خطّائين، فخير الخطّائين البكّاؤون.

مقال تحفة بجد

موضوع: رد: حاكم بالدمعة! 2011-11-10, 4:37 pm

فعلا بلال فضل دايما ممتع بكتاباته
شكراا على المرور الطيب يا احمد ووفا
نورتوا

موضوع: رد: حاكم بالدمعة! 2011-11-11, 2:32 am

برضو فضل بلال هو مورهوش الا حسني
تحفه
شكرا ع المدهود