treika.com :: تريكاوي محدش قده ::
المشاركات : 1402 العمر : 16 تاريخ التسجيل : 06/10/2008 التقييم : 5 نقاط : 9424 ::: :
| موضوع: «العريفى» الذى أنسانا أنفسنا 2013-01-10, 2:49 pm | |
| «العريفى» الذى أنسانا أنفسنابقلم - سليمان جودة لا تكاد تصادف أحداً هذه الأيام، إلا ويبادرك بسؤال متلهف، عما إذا كنت قد سمعت خطبة الشيخ محمد العريفى أم لا؟!.. فإذا أجبته بأنك كنت سيئ الحظ، وأنك لذلك لم تسمعها، فسوف تلاحظ قطعاً علامات خيبة الأمل على وجهه!أما الشيخ العريفى - لمَن لا يعرف - فهو خطيب سعودى مفوَّه، كان قد ألقى خطبة قبل أيام، راح فيها يعدد فضائل مصر على مدى تاريخها، وكيف أن فلاناً من العظماء، قد ولد فيها، وأن علاناً من المشاهير، قد نشأ على أرضها، وأنها أنجبت هذا العالم المبتكر، وذاك الكاتب المبدع.. وهكذا.. وهكذا.. إلى آخر ما يمكن أن يقال عن تاريخنا المضىء، وعما كان فيه من إضاءات ليست موضع جدل فى حد ذاتها، فى كل الأحوال.بطبيعة الحال، فإن الشيخ العريفى مشكور جداً على ما قاله فى حقنا، وحق بلدنا بشكل خاص، ولكن المشكلة هنا، ليست أبداً فيما قاله الرجل، وإنما تبقى المشكلة الحقيقية فى أن كثيرين بيننا، ما كادوا يسمعون ما جاء على لسانه، حتى بدا كل واحد فيهم، وكأنه كان يوشك على الغرق، ثم انتشله طوق نجاة فى آخر لحظة!بل إن تليفزيون الدولة الرسمى، لم يكذب خبراً، وراح هو الآخر يتلقف الخطبة، ويذيعها كاملة على قناته الأولى، وراح آخرون يمجدون فى الشيخ العريفى، ويعيدون رواية ما قاله، ويسردونه قصة وراء قصة، ولسان حالهم يقول: انظروا.. ألم نقل لكم، من زمان، إن بلدنا بلد عظيم، وإن تاريخه مجيد، وإن سيرته مليئة بالعظماء!المحزن فى الحكاية كلها، من أولها إلى آخرها، أن الغالبية الكاسحة ممن سمعوا خطبة الشيخ الجليل، قد تصرفت بمجرد سماعها، وكأنها أى هذه الغالبية لا تصدق أن بلدها كان فى يوم من الأيام له تاريخ يجب ذكره، عند الضرورة، وأنه تاريخ حقيقى، وقائم، وموجود!بدا من الأمر، أننا فى أغلبنا، قليلو الثقة للغاية فى أنفسنا، وفى إمكانات بلدنا، إلى حد أننا نظل فى انتظار كلمة أو حرف من النوع الذى وقف الشيخ العريفى يرويه، طوال خطبته، لنمسك فى الكلمة، أو فى الحرف، بأسناننا، خشية أن تفلت من بين أيدينا، فنصبح عندها، بلا أى تاريخ مضىء من أى نوع!لم يلتفت الذين أسكرتهم الخطبة إلى أن الرجل كان يتكلم طول الوقت، عن الماضى عندنا، لا الحاضر، وأن مشكلتنا فى كل وقت، كانت فى حاضرنا البائس التعيس، ولم تكن أبداً فى ماضينا الذى نعرفه ونعرف مجده، كما نعرف أنفسنا!تمنيت، من أعماق القلب، لو أن الذين انتشوا بالخطبة، إلى هذا الحد، قد سألوا أنفسهم عن شكل الحاضر الذى بنيناه نحن الأحفاد، على ذلك الماضى المجيد، وعن ملامح اللحظة التى نعيشها، وطعمها، قياساً على ما كان هناك، فى تاريخنا البعيد!مما رواه الشيخ العريفى، أن شيخاً مصرياً جليلاً اسمه أحمد الدردير، كان جالساً ذات يوم، فى الأزهر، وكان قد مد قدميه أمامه، وحين مر عليه الوالى، فإنه لم يعتدل فى جلسته، مما أثار دهشة الوالى الذى أرسل إليه، فى اليوم التالى، كيساً من المال، ليختبره، فإذا بالشيخ الدردير يرد الكيس إلى مرسله، ويقول لحامله: أبلغ الوالى، أن من يمد قدميه، لا يمد يديه!طبعاً.. القصة ذات معنى، والعبارة التى أرسلها الدردير إلى الوالى أعمق فى معناها، ولكن ما لم ينتبه إليه الذين ظلوا يمصمصون شفاههم تأثراً بخطبة العريفى، أن بلدهم لا يستطيع فى أيامنا هذه، أن يمد قدميه، لأنه بصراحة، يمد يديه، لمن يساوى بين الدول، ومن لا يساوى، لا لشىء إلا لأن الذين يحكمونه لا يعرفون قيمته، ولا يفرقون فيه بين التبر، والتراب!مصر لا تستطيع مد قدميها، على طريقة الشيخ الدردير، لأنها تمد يديها، يا أيها الذين أطربتكم كلمات العريفى! |
|