من هنا.. انطلق الربيع!بقلم - سليمان جودة
ليست هذه هى المرة الأولى التى أذهب
فيها إلى تونس، فقد ذهبت إليها من قبل مرات، ولكن هذه هى المرة الأولى التى
أراها فيها بعد ثورة الياسمين التى كانت قد أطاحت بالرئيس زين العابدين بن
على فى 16 يناير 2011.
وقتها، لم يكن أحد فى عالمنا العربى يتخيل
أن ثورة الياسمين تلك التى انطلقت فى تونس العاصمة سوف تتحول لاحقاً إلى
عدوى تنتشر من عاصمة عربية إلى أخرى، بدءاً بالقاهرة، مروراً بطرابلس فى
ليبيا، ثم صنعاء فدمشق.. وهكذا.. وهكذا!
كانت تونس ولاتزال تشتهر بأنها «تونس
الخضراء»، ولم يكن الاخضرار الذى اشتهرت به معبراً فقط عن مساحات ممتدة
فيها، وممتلئة بالزرع والشجر، بقدر ما كان هذا المسمى يعبر عن اخضرار فى
عقل المواطن التونسى، وفى قلبه، وفى روحه، بمعنى براءته وإقباله على
الحياة، وتمسكه بأن يكون لبلده موطئ قدم بين الدول المجاورة، وبين دول
العالم، ثم تمسكه أيضاً بأن يحيا حياة آدمية على أرضه، فيكون اللون الأخضر
اسماً على مسمى، وليس مجرد شعار!
الآن.. حيث تكون فى تونس، ثم تتطلع إلى وجوه
الناس، تشعر على الفور بأنها لم تعد وجوهاً خضراء، وأن الثورة التى فجرها
«البوعزيزى» قد خيبت آمال الناس، ليس لعيوب فى الثورة ذاتها، وإنما لأن
الشباب الذى احتشد فى شارع الحبيب بورقيبة، وأزاح «بن على» من مكانه قد
اختفى، وذاب، ولم يعد له وجود، وجاء آخرون، خصوصاً حركة «النهضة»
الإسلامية، ليستولوا على الثورة، ثم على ثمارها، وليخرج المواطنون
العاديون، من الحدث كله، صفر اليدين!
فلا اقتصاد قد تحسنت أوضاعه، بل العكس هو
الذى حصل، ولا سياحة قد انتعشت فى بلد هو سياحى بطبعه وطبيعته، وإنما
تراجعت ولاتزال تتراجع، ولا أحوال الناس قد طرأ عليها أى تحسن من أى نوع،
وإنما زادت بؤساً وتعاسة!
ولو أنت كنت فى تونس، ثم رحت تطالع الصحف
الصادرة عندهم، فسوف تكتشف أنه لا فرق مطلقاً بين ما تقوله الصحف هناك عن
أوضاعهم العامة، وبين ما تكتبه صحفنا عن أوضاعنا نحن هنا.. فالشكوى دائمة
من أن الحكومة التى يرأسها حمادى الجبالى، المنتمى إلى حركة «النهضة» التى
يرأسها راشد الغنوشى، عاجزة عن إدارة أمور البلاد، ولذلك فإن هذه الأمور
تسير على يديها، من سيئ إلى أسوأ، ولا أمل فى الأفق القريب فى أن تكون
الأحوال أفضل مما هى عليه فى لحظتها الراهنة، وفى أن يحس كل مواطن ـ مجرد
إحساس ـ بأن ثورة قد قامت فى بلده، ذات يوم، قبل عامين من الآن، وأن وضعه
فى حياته اليومية، سوف يكون أفضل، ولو بأى نسبة!.. لا أمل فى الأفق الظاهر
أمام العيون، ولا تجد الحكومة عندهم مفراً، والحال هكذا إلا أن تلجأ إلى
صندوق النقد الدولى، لتتفاوض معه فى الوقت الحالى على قرض قيمته 3 مليارات
دينار تونسى تقريباً، مع العلم بأن الدينار يساوى أربعة جنيهات ونصف الجنيه
المصرى!
نحن إذن إزاء ذكرى مرور عامين على الثورة،
سواء فى تونس أو فى القاهرة، ونحن فى الوقت ذاته أمام شعور عام فى البلدين
يغلب فيه اليأس على الأمل، ويسترجع المصرى، أو التونسى، مسيرة عامين مضيا،
فإذا بها فى حياة كليهما ذات حصيلة بالسالب، أكثر منها أى شىء آخر، وإذا
بكليهما يتساءل فى حيرة، عما إذا كانت الثورة فى البلدين قد اشتعلت لمجرد
إحلال رئيس مكان آخر، أم أنها قامت بالأساس ليترسخ إحساس لدى كل مواطن فى
البلدين بأنه آدمى، وأن من حقه أن تكون همومه أقل، وأوجاعه أخف، خصوصاً أن
إمكانات البلد فى الحالتين تتيح ذلك بسهولة، لو أنها وجدت من يديرها لصالح
المواطن الذى هو «أولى بالرعاية» لا لصالح الموجودين فى السلطة وعلى
الكرسى!
من هنا، فى تونس العاصمة انطلق قطار الربيع
العربى، قبل عامين كاملين من الآن، وما لبث حتى تعددت محطاته، وتنوعت، فى
عواصم عربية تتالت واحدة وراء الأخرى، غير أنه ما لبث أيضاً حتى انحرف عن
قضبانه، فإذا به يتحول مع مرور الوقت من ربيع إلى خريف، وإذا بالآمال التى
تعلقت عليه تتبدد، يوماً بعد يوم!.. لماذا؟!.. هذا هو السؤال الذى سوف
أحاول أن أجيب عنه.