ماذا لو كان استمر أبو تريكة فى الترسانة؟بقلم - عمر طاهر
غامر حسن شحاتة بمستقبله التدريبى فى ماتش مصر والسنغال
2006، عندما سحب ميدو العالمى وزجّ مكانه بعمرو زكى المحلى فى مباراة
مصيرية، وفى صدفة لم تحدث من قبل يستخدم أبو تريكة قدمه اليسرى، فيرفع كرة
عرضية يحرز منها زكى هدفا يجعلنا على بُعد خطوة من سلسلة البطولات التى
بدأت فى هذا العام واستمرت لستة أعوام، ماذا لو كان أبو تريكة لم يغادر
الترسانة باتجاه الأهلى؟
تخسر مصر المباراة ويخسر شحاتة مستقبله الوظيفى، ويأتى
اتحاد الكرة بمدرب جديد يستغرق أعواما ليصنع فريقا متجانسا يحرز به بطولة،
وهكذا يدخل البلد فى مصير جديد.
على مستوى فرعى تنهار عدة صناعات هامشية فتحت بيوت كثيرين
خلال فترة أمجاد المنتخب، أهمها صناعة الأعلام، لعب المنتخب دورا كبيرا فى
أن يستعيد علم مصر مكانته بيننا بعد سنوات طويلة، كنا نراه فيها متسخا فى
حوش مدرسة أو مهترئا فوق سطح مبنى هيئة حكومية، من بعد 2006 صار العلم
المصرى يرفرف فى كل مكان بمناسبة أو بدون، وحرص كل شخص اشترى لنفسه أو
لابنه أو لابن أخته علما على باب الاستاد أو فى الطريق إلى تجمهر بمناسبة
الفوز بإحدى بطولات إفريقيا، أو ليعلقه فى البلكونة من باب التفاؤل فى
صباح اليوم الذى سيلعب فيه المنتخب، أن يحتفظ بهذا العلم للذكرى فصار لا
يخلو بيت مصرى تقريبا من علم.
على مستوى آخر كان الهتاف باسم مصر سيخمد بالوقت، لعب
المنتخب دورا فى أن تظل كلمة مصر مشتعلة فى الصدور، تحرقك إذا لم تصرخ بها،
أذكر يوم ماتش مصر والجزائر «نسخة السودان» أن عمّ الصمت الموحش على كل
منطقة قصر العينى بعد صفارة النهاية، وفى عز هذا الصمت خرج صوت كاسر جريح
من إحدى البلكونات يزأر قائلا «تحياااا مصررر» فأبكى كل من سمعها، تنتهى
مسيرة المنتخب مبكرا فى 2006 فتصبح كلمة مصر رمادية لا تعنى الكثير لأحد.
تنتهى مسيرة المنتخب عقب ماتش السنغال الذى صنع أبو تريكة
الفارق فيه، فتتفرق كل الحشود التى أدمنت التحول إلى كتلة واحدة مخيفة قبل
وبعد الماتشات، على مدى ست سنوات كانت الجموع تحتشد فى كل ميادين مصر عقب
كل انتصار مهم للمنتخب. ويبدو أن المصريين قد تعرف بعضهم على بعض من جديد
على هامش هذه الانتصارات، بمرور الوقت ذابت الغربة بينهم وأصبح الزحام
مألوفا وأمكن لأرواحهم أن تتلاقى فى نقطة ما.
لو كان استمر أبو تريكة فى الترسانة لتغيرت بعض الفرعيات،
مثلا كان سينقطع رزق سعد الصغير الذى انفجرت شهرته بأغنية «الأهلى فى كل
حتة عمال يجيب أجوان/ زى ما راح أفريقيا أهو راح اليابان»، لأنه لن يكون
هناك «يابان»، لأنه لن يكون هناك إفريقيا، لأنه لن يكون هناك أبو تريكة
ليحرز هدفا فى الثوانى الأخيرة فى مرمى الفريق التونسى. استمرار تريكة فى
الترسانة كان سيمنح محمد بركات لقب أمير القلوب بلا منازع، وسيظل هادى
خشبة هو قديس الكرة المصرية، وكانت «فودافون» تبنى شهرتها بإعلانات تجارية
بطلها محمد فضل، وكان جوزيه سيفقد تميمة انتصاراته ويتحول إلى مدرب عادى،
فبدلا من أن يغادر الأهلى ليدرب منتخب أنجولا كان سيغادر الأهلى ليدرب
فريق الصناعة العراقى.
لكن عودة إلى الجماهير، استمرار أبو تريكة فى الترسانة كان
سيبعده عن المنتخب فى لحظة منحت حسن شحاتة الثقة فى نفسه وفى اختياراته،
فاستمر بطلا لسنوات طويلة «بالمناسبة أضف إلى العرضية التى أحرز منها زكى
الهدف أن أبو تريكة كان صاحب ضربة الجزاء الحاسمة فى نهائى البطولة
نفسها»، سنوات البطولة هذه هى التى رفرفت فيها أعلام مصر فانتشينا،
واستعاد فيها كثيرون طعم كلمة مصر على أطراف ألسنتهم، وتدرب فيها المصريون
على التحرك ككتلة واحدة هادرة مخيفة، ألا تذكرك هذه المقدمات بشىء؟ ألا
تجعلك تعتقد أن انتقال أبو تريكة من الترسانة إلى الأهلى كان من أولى
إرهاصات الثورة؟
أبو تريكة مواليد 78، اصطحبه صديقه مجدى عابد لاختبارات
الناشئين فى نادى الترسانة «فى ما بعد أصبح عابد حارس مرمى فريق
الداخلية»، وهناك طلب منه مدرب الأشبال أن يقوم بـ«تنطيق الكرة» وعندما
تجاوز الرقم 150 فى التنطيق ترجاه المدرب بعنف أن يتوقف حتى لا يحبط
زملاءه، بعدها بعامين، وكان عمره 17 عاما انضم إلى الفريق الأول الذى كان
يلعب فى دورى الدرجة الثانية، أصبح هداف هذه البطولة، وأسهم فى صعود
الترسانة إلى الممتاز وبقاء فريقها فى البطولة 3 مواسم، فى نهاية الموسم
الثالث طالب تريكة بمستحقاته ومستحقات زملائه، حددت الإدارة له مبلغ 230
ألف جنيه ولزملائه 200 ألف، فأصر أن يحصل على المبلغ نفسه الذى حصل عليه
الباقون، كأنه قد تعلم من درس مدرب الأشبال.
فى الفترة نفسها طارده مسؤولو
الأهلى ليوقع لهم، وبعد شد وجذب تم انتقاله إلى الأهلى مقابل 450 ألف
جنيه، وكانت أول مشاركة له مع الأهلى ضد فريق طنطا فى كأس مصر وفاز الأهلى
بهدفين سجلهما تريكة، اختار أبو تريكة فى الأهلى أن يرتدى فانلة رقم 22،
لأنه رقم باب مسجد الرسول الذى دخل منه تريكة عندما قام بزيارته على هامش
العمرة، وبعد انتقاله إلى فريق إماراتى اختار أن يرتدى فانلة رقم 72، فهو
عدد شهداء جمهور النادى الأهلى الذى يبعد عن نادى الترسانة نحو ربع
الساعة.. ده لو حسبناها بالوقت.
ماذا لو ظل هناك؟