بدايات الظهور:
أثارت التفجيرات التي وقعت بالقرب من قصر الاتحادية خلال يونيو الماضي، العديد من التساؤلات حول طبيعة تنظيم ما يسمى جماعة "أجناد مصر" التي تبنت مسئوليتها عن الحادث، وأنها كشفت عنه في وقت سابق.
تعود بداية ظهور جماعة "أجناد مصر"، إلى يوم الجمعة 24 يناير الماضي، بالتحديد قبل الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، حيث تداولت المواقع الجهادية بيانًا منسوبًا لهذه الجماعة، وفي التوقيت نفسه تم تدشين صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، حملت اسم "أجناد مصر"، بدأت هذه الصفحة بالبيانات الخاصة بالجماعة، وقامت بتفعيل أنشطتها، حيث انطلقت على الملأ وبشكل علني يوم الجمعة 18 أبريل 2014، وهو اليوم الذي أصدر فيه مكتبها الإعلامي شريط فيديو يوثق عملياتها ضد الشرطة.
مزاعم الجماعة ضد الشرطة
قامت الجماعة ببث شريط مصور، وثّقت فيه ما قالت إنه انتهاكات لحقوق الإنسان، ارتكبتها أجهزة الأمن والشرطة المصرية، كما وثقت في التسجيل أيضاً مجموعة من العمليات التي نفذتها الجماعة ضد أجهزة ومقرات الأمن المصري.
كانت مدة الشريط الأول 24 دقيقة، وثقت خلالها 8 عمليات نفذها التنظيم في الفترة من نوفمبر 2013، وحتى أبريل 2014، تضمنت مجموعة مشاهد، بعضها كان يتم تداولها قبل ثورة 25 يناير، وتُظهر انتهاكات لحقوق الإنسان على يد أجهزة الشرطة في المقرات الأمنية والشوارع، بالإضافة إلى مشاهد أخرى تم التقاطها أثناء الثورة، ومشاهد لأحداث فض اعتصاميْ أنصار الرئيس السابق محمد مرسي في محيط ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر.
أول بيان للجماعة
حمل البيان الأول للجماعة طريقة جديدة لم تستخدمها من قبل أي جماعة إسلامية لأرشفة بياناتها، فتم وضع خانة لترقيم البيان على أقصى اليسار من أعلى البيان مدونا أمامها الرقم التالي: 001 وهو أمر أثار الريبة في الجماعة لا سيما بين المنتسبين للإخوان والتيار الإسلامي بشكل عام، نظرًا لأن هذه الطريقة في الأرشفة تتشابه مع الطريقة المتبعة في الوزارات والدوائر الحكومية والأمنية.
وتناول البيان الأول تدشين حملة انتقامية بعنوان "القصاص حياة"، تتوعد بتوجيه ضربات لأجهزة الأمن، وتحرّض كل مواطن على أن يستهدف أفراد الأمن في مقراتهم ومساكنهم.
أهم العمليات
1- استهداف كمين شرطة في عبود بعبوة ناسفة.
2- استهداف كمين شرطة السواح بعبوة ناسفة.
3- استهداف نقطة شرطة بمحور 26 يوليو.
4- استهداف قسم شرطة الطالبية في 24 يناير 2014.
5- استهداف قوات الأمن المركزي أمام مترو البحوث.
6- استهداف مقر قوات الأمن المركزي في 31 يناير 2014.
7- استهداف قوات الأمن المركزي في ميدان الجيزة.
8- استهداف قيادات قوات الأمن المركزي في ميدان النهضة، واستشهاد العميد طارق المرجاوي الذي لقي مصرعه في هذه العملية.
9- التفجير الذي وقع بجوار مسجد الحصري بــ6 أكتوبر، إصابة نقيب شرطة.
10ـ تفجير كمين للشرطة في ميدان لبنان، استشهاد رائد شرطة وإصابة 6 آخرين.
11ـ تفجير كمين للشرطة في ميدان لبنان، استشهاد رائد شرطة وإصابة 6 آخرين.
12- استهداف دورية أمنية في شارع الهرم بالقرب من سينما رادوبيس.
13ـ تفجيرات بالقرب من قصر الاتحادية.
علاقة أجناد مصر بـ "أنصار بيت المقدس"
في التوقيت الذي أعلنت فيه جماعة أجناد مصر عن مسئوليتها في التفجيرات، جاءت نحو 5 بيانات، تنسب جميع التفجيرات التي جرت لجماعة أنصار بيت المقدس، في نفس الوقت، وعقب توالي البيانات المزيفة، ظهرت أنصار بيت المقدس، لتعلن بيانها عبر شبكة شموخ الإسلام- الناقل الرسمي لبيانات الأنصار، والتي تبنت فيه جميع التفجيرات التي هزت القاهرة يومها من خلال نقاط قصيرة وموجزة لكن مع ذكر بعض التفاصيل ذات المغزى، مثل أن الغرض من الهجوم على الدورية الأمنية في شارع الهرم كان استهداف العميد جرير مصطفى، رئيس مباحث الجيزة، أثناء توجهه مع قوة أمنية لمواجهة واحدة من مظاهرات الإخوان.
وكان أول علاقة جمعت أجناد مصر بأنصار بيت المقدس عندما بدأ خلافًا بينهما، حيث أصدرت الأجناد البيان رقم: 002 وتبنت فيه عمليتي مترو البحوث وقسم شرطة الطالبية، وكشفت عن عمليات سابقة قامت بها، ومما جاء في بيانها أن عملية مترو البحوث هدفت للانتقام من القوات التي تواجه الأبرياء- بحسب وصف البيان- كل جمعة في إشارة لمظاهرات الإخوان، وأن عملية قسم شرطة الطالبية هدفها هو تحدى التصريح "المتعجرف لوزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم" بخصوص الاقتراب من أقسام الشرطة، في إشارة لتصريح "اللي عايز يجرب يقرب- على حد وصفهم- وآنذاك تم تجاهل هذا البيان من قبل وسائل الإعلام، حيث اهتموا فقط ببيان أنصار بيت المقدس، على الرغم أن أجناد مصر كشفت عن قيامها بـ3 عمليات سابقة، وهي استهداف نقطة محور 26 يوليو في 7 يناير 2014، واستهداف كمين السواح في 25 نوفمبر 2013، واستهداف كمين عبود في 20 نوفمبر 2013، وفي اليوم التالي مباشرة، وعلى نحو مفاجئ، أصدرت أنصار بيت المقدس الجماعة +الأشهر والأبرز، بيانا اعتذرت فيه لأجناد مصر عن إعلانها تبني عمليتي مترو البحوث وقسم الطالبية، وقالت إنها أخطأت، وبررت الأمر بأن مجموعة أخرى تابعة لها- أي للأنصار- تعمل في نفس المنطقة، وأن المسئول أبلغ بالخطأ أن العملية تخصهم، وأشارت إلى أن أجناد مصر هي التي نفذت هذه العمليات، وهو الأمر الذي دفع بعض المتخصصين للتأكيد على أن هذا البيان كان الهدف منه الإعلان عن وجود تنظيم آخر يدعى أجناد مصر وليس الاعتذار، نظرًا لأن بيانات أنصار بيت المقدس تحظى بتغطية موسعة على عكس أجناد مصر الذي كان تنظيما وليدا آنذاك، ومحصلة ذلك كله أن ثمة علاقة بين الطرفين.
علاقة أجناد مصر بجماعة الإخوان
في البيان رقم 004 أعلنت أجناد مصر عن تبنيها لحادث الانفجار الذي أصاب سيارة أمن مركزي يوم الجمعة 7 فبراير الماضي، وأسفر عن إصابة 4 مجندين، وأشارت إلى أنها رصدت تحركات قوات الأمن والأماكن التي تتجمع فيها كل يوم جمعة، لتفريق المظاهرات وزرعت عبوتين ناسفتين في ميدان الجيزة، وتم استهداف قوات الأمن المركزي بالعبوتين، وكانت الإصابة مباشرة لكن بعد بضع ساعات أصدرت حركة أخرى تدعى "ولع"، يرتبط نشاطها على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك بجماعة الإخوان والتحالف الداعم لها- بيانا تبنت فيه نفس الحادث، لكنها نفت استخدامها عبوتين ناسفتين في مهاجمة عربتي الأمن المركزي، مبينة أن كل ما تمتلكه الحركة زجاجات المولوتوف وبعض الاختراعات البدائية، مثل قنابل الصوت والبلي وقنابل البيروسول، وجاءت رواية أجهزة الأمن على لسان اللواء مصطفى رجائي، مدير إدارة الأمن المركزي، لترجح رواية أجناد مصر، حيث أكد أن الهجوم تم من خلال قنبلتين إحداهما يدوية وبدائية الصنع.
لم يعتذر أي تنظيم للآخر هذه المرة مثلما حدث بعد الخلاف مع أنصار بيت المقدس، لكن حركة "ولع" حرصت على نفي أي علاقة بجماعة الإخوان عبر بوست على صفحتها الرسمية، قالت فيه: "بكل المواقع التابعة اللي بيتكلموا عن الحركة بيقولوا حركة ولع إخوانية وإرهابية، طبعًا الكلام ده عارٍ تمامًا من الصحة، واللي عايز يهري في الكلام.. مع نفسه".
وفي رواية أخرى لهذا الحادث تكشف تفاصيل مهمة حول علاقة أجناد مصر بالإخوان، حيث يقول أحمد مدحت، أحد شهود العيان على الحادث: "الساعة 8 والثلث صباحًا كانت هناك مسيرة للإخوان تضم حوالي 26 شخصًا أسفل الكوبري، والساعة 9 والنصف لقيت المدرعات بتاعت الأمن المركزي وصلت وقعدوا يجيبوا ورا وقدام وبعديها على حوالي الساعة عشرة إلا الثلث سمعنا تفجير القنبلة، وبعدها انفجرت القنبلة الثانية بحوالي نصف دقيقة، مشيرًا إلى أنه معروف لكل المترددين على المنطقة أن سيارات الأمن المركزي تقف في هذا المكان كل أسبوع".
الجيزة محور الأحداث
جميع العمليات التي تبناها "أجناد مصر"، وقعت في محافظة الجيزة، والمناطق المحيطة بها، فقد وقعت تفجيرات يوم الجمعة 24 يناير، نفذ التنظيم عمليتين إحداهما أمام كوبرى البحوث والأخرى في محيط قسم شرطة الطالبية، وفي الجمعة التالية 13 يناير نفذ التنظيم عملية أخرى في مقر الإدارة العامة لقوات الأمن المركزي على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي القريب من محافظة الجيزة أيضًا، ثم انتهى الأمر بأن نفذ التنظيم آخر عملياته حتى الآن في ميدان الجيزة نفسه، هذه العلاقة التي يبدو أنها تربط التنظيم بمحافظة الجيزة كانت سببًا في حملة المداهمات الموسعة التي شنتها أجهزة الأمن على منازل قيادات جماعة الإخوان في الجيزة بمناطقها المختلفة، ويكفي هنا الإشارة إلى أنه تمت مداهمة منازل 50 قياديا إخوانيا في منطقة المنصورية وحدها وفقا لمصادر داخل الإخوان.
جدل حول التنظيم
يرى خبراء متخصصون أن أعضاء "أجناد مصر"، تابعون لأنصار حازم صلاح أبو إسماعيل القيادي الإسلامي ومؤسس حزب الراية، ولأعضاء سابقين بجماعة الإخوان.
انتقد أبو قتادة المصري القيادي الجهادي، عبر حساب يحمل اسم أنصار الخلافة على موقع يوتيوب تنظيم أجناد مصر، الذي تم الإعلان من خلاله عن تدشين حملة "القصاص حياة"، قائلًا: "إلى الإخوة في أنصار بيت المقدس، يطلعوا يوقفوا دول عند حدهم".. في إشارة إلى "أجناد مصر"، التوقيت ده توقيت مخابراتي بامتياز.
وقال: أنا أتوجه بالشك هنا لأجناد الأرض.. دول شكلهم مخابرات أو إخوة متحمسين مش فاهمين تعقيد الصراع.
فيما تساءل الدكتور كمال حبيب، الخبير في شئون الجماعات الإسلامية، كيف عرف تنظيم أنصار بيت المقدس أن هناك خطأ حدث في عمليتي البحوث والطالبية، وأن هذه العمليات قام بها أجناد مصر وليس المجموعة التابعة للأنصار الموجودة في نفس المكان؟ قائلًا: إن هناك غموضًا واضحًا.
وأشار حبيب إلى أن هناك تشابهًا في اللغة المستخدمة ببيانات كل من أنصار بيت المقدس وأجناد مصر، ويذهب إلى أن الأخيرة هي جماعة مستنسخة من الأولى، مضيفًا: من الممكن أن تكون أجناد مصر هي جناح آخر لأنصار بيت المقدس، تسعى من خلاله إلى تشتيت أجهزة الأمن، وتخفيف الضغط الإعلامي وضغط الملاحقات الأمنية الذي تتعرض له الأنصار، أو ربما تكون الأنصار تمكنت من التواصل مع مجموعة من الشباب في منطقة الجيزة، وهي منطقة خصبة بالتيارات الإسلامية، وأصبح هناك عمل مشترك بينهما.
ويرى حبيب، أن التصنيف الأدق لجماعة أجناد مصر هو أنها تنتمي للتيار السلفي الجهادي، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن مظاهرات جماعة الإخوان تضم على هوامشها بعض المنتمين لتيار السلفية الجهادية، بالإضافة إلى أن هناك مجموعات سائلة في المسافة التي تفصل بين الإخوان والسلفية الجهادية، لافتًا إلى أن هذا الخليط قد ينتج عنه تشكيل مجموعة عمل جديدة، لافتًا إلى أن هذه المجموعة، وإن حدث وضمت شبابًا من الإخوان، فإنها بالتأكيد منفصلة عن الإدارة المركزية للجماعة.
وقال منير أديب، المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية: إن جماعة أجناد مصر هي المسئولة عن عملية تفجير سنترال 6 أكتوبر.
وأكد أديب أن تلك الجماعة عبارة عن مجموعات بدائية صغيرة وعملياتهم بسيطة، ولم يسافروا إلى مناطق الصراع في أفغانستان وسوريا، وأن جزءًا كبيرًا منهم من أتباع الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل.
ولفت أديب، إلى أن تلك الجماعات الإرهابية ترى أن نشر الفوضى واستهداف مؤسسات الدولة سيضعف من الحكومة الحالية، وأن عملية جامعة القاهرة كانت أكبر عمليات أجناد مصر، أما بقية العمليات كانت بدائية ولم ينتج عنها قتلى، وكان تأثيرها ضعيفًا، لذلك بدأوا في البحث عن طريق آخر لتركيع الدولة خارج حدود القاهرة، باستهداف مناطق غير مزدحمة كما حدث في 6 أكتوبر.
وأضاف أديب، أجهزة الأمن في مصر ضربت 90 % من البنية التحتية لتلك الجماعات الإرهابية ..ومع ذلك من الوارد وجود بعض الخلايا الصغيرة لهذه الجماعات ستحاول القيام ببعض العمليات الارهابية في الفترة القادمة