-القذافى.jpg]
[/url]
معمر القذافىالانطباع السائد لدي كثير من المصريين هو أن القانون في بلادهم يحمي غالبًا من لهم ظهر قوي يستندون إليه، وأنه من الصعب أن يحصل أحد المصريين البسطاء علي حقوقه بالقانون إلا بعد جهد عظيم أو بالصدفة البحتة أو إذا رزقه الله في طريقه بمن يتقي الخالق في عمله.
الصدمة التي استولت علي أهالي ضحايا العبارة «السلام 98» بعد صدور الحكم ببراءة مالكها ممدوح إسماعيل من أي تهمة، هي أحد الأمثلة الصارخة الواضحة علي هذا الانطباع. الجديد في الأمر أن هذا لا يقف عند حدود مصر فحسب وإنما فيما يبدو صار ظاهرة عالمية وكأن القانون خلق لحماية أشخاص آخرين غير من يستحقون بالفعل.
خذ مثالاً علي هذا قضية نجل الرئيس الليبي «معمر القذافي». الابن اسمه «هنيبعل» ويقيم في سويسرا كعادة أبناء معظم الرؤساء العرب الذين يقيمون في الخارج أكثر مما يقيمون في بلادهم. عندما قام بالتعدي بالضرب والإهانات والإيذاء الجسدي هو وزوجته علي اثنين من خادميه - بالصدفة كانوا عربًا من تونس والمغرب -. ولأن الحادثة وقعت في سويسرا حيث يفترض أن يسود القانون ويطول الجميع لم يستطع ابن القذافي تسوية الأمر بهدوء كما كان يمكن أن يحدث في بلاده أو أي دولة عربية شقيقة. وهكذا صار ابن زعيم الثورة الليبية ومعه زوجته معتقلين في سويسرا ويتم التحقيق معهما بخصوص ما وجه إليهما من اتهامات.
المنطق يقول بأنه إذا كان «هنيبعل» يثق في صحة موقفه ومن أنه لم يعتد بالفعل علي الخادمين لاحترم القانون ولمثل للتحقيقات بكل هدوء وهو واثق من براءته، لكن هذا لم يحدث طبعًا، واعتقال «ابن الرئيس» تطور إلي أزمة دبلوماسية كبيرة بين ليبيا وسويسرا وصلت إلي حد توقف ليبيا عن تصدير البترول إلي سويسرا، وهو ما مثل تهديدًا كبيرًا للأخيرة خاصة أنها تستورد 50% من البترول من ليبيا تحديدًا، ثم قامت السلطات في ليبيا باعتقال عدد من الموظفين في بعض الشركات السويسرية دون أي سند قانوني فقط علي سبيل المعاملة بالمثل، كما امتنعت ليبيا عن إصدار تأشيرات الخروج للسويسريين المقيمين لديها وكأنها تحتفظ بهم كرهائن، بعد كل هذا كان لا بد أن ترضخ سويسرا وليذهب القانون إلي الجحيم، وهكذا تم الإفراج عن «هنيبعل» وعاد إلي بلاده التي سرعان ما أعادت ضخ البترول من جديد إلي سويسرا لأنه «بيزنس إذ بيزنس»!
البيزنس موجود في واحدة من أول وأهم ديمقراطيات العالم أيضًا.. بريطانيا، والقانون هناك في هذا البلد العريق وقف ووجهه في الحائط هو الآخر، والغريب أن هذا حدث أيضًا بسبب دولة عربية شقيقة!
السعودية كانت البطل هذه المرة. والقضية كانت «صفقة اليمامة» الشهيرة التي عادت للظهور من جديد مؤخرًا بعدما تمت سنة 1986 وبمقتضاها زودت بريطانيا السعودية بعدد من طائراتي «تورنيدو وهوك» الحربيتين، إضافة إلي تقديم الدعم الفني والصيانة المتعلقة بهما، وكذلك إنشاء قاعدة عسكرية ضخمة لهذه الطائرات في السعودية، وقد بلغت قيمة الصفقة رقمًا خياليًا وصل إلي 86 مليار دولار أمريكي، لم تثر الصفقة أي مشكلات حتي مايو 2004، أي بعد ما يقرب من 20 عامًا علي إتمام الصفقة حينما نشرت جريدة «الإندبندنت» البريطانية تقريرا أشارت فيه إلي وجود شبهة فساد في الصفقة وأن هناك رشوة تقدر بـ60 ألف جنيه إسترليني تم دفعها لتمرير الصفقة بين الطرفين.. بدأ التحقيق فيما نشر بعدها مباشرة وهو ما قابلته السعودية بالتباطؤ في إتمام صفقة موازية مع شركات طائرات حربية بريطانية مع التلويح بإمكانية إلغاء الصفقة والتعاقد مع شركة فرنسية منافسة.
استمرت التحقيقات للكشف عن الفساد في الصفقة حتي أعلن المدعي العام البريطاني في ديسمبر 2006 وقف التحقيقات في قضية صفقة «اليمامة» دون سبب واضح، لكن هذا السبب سرعان ما انكشف عندما أتمت السعودية صفقة الطائرات المؤجلة مع بريطانيا منذ ثلاث سنوات بعد قرار المدعي العام بشهر واحد فقط.
لكن الـ«بي. بي. سي» ظهرت في الصورة، وفي شهر يوليو 2007 كشف تحقيق تليفزيوني للقناة الإخبارية الشهيرة عن تلقي الأمير «بندر بن سلطان» - السفير السعودي السابق في أمريكا والرجل القوي في مؤسسة الحكم السعودية - عمولة تقدر بـ2 مليار دولار لتمرير صفقة اليمامة قبل 20 عامًا، تكهرب الجو من جديد مع فتح باب التحقيق في الفساد الذي أحاط بهذه الصفقة مما استدعي تدخل رئيس الوزراء البريطاني وقتها «توني بلير» ليأمر بوقف التحقيقات «حتي لا تتضرر علاقة بلاده بالسعودية وحتي لا تفقد بريطانيا آلافًا من الوظائف»! هكذا كان «بلير» صريحًا للدرجة التي جعلته يؤكد ضمنيًا دون أن يدري وجود فساد كبير في الصفقة.
الأمر لم يقف عند هذا الحد، وها هي المحكمة العليا في بريطانيا في شهر أبريل الماضي تأمر بإلغاء قرار بلير وإعادة التحقيق من جديد في تلك الصفقة الملعونة، لكن كلمة النهاية تأتي أخيرًا علي يد مجلس اللوردات البريطاني في الثلاثين من شهر يوليو الماضي، حينما أقرت الهيئة القضائية بمجلس اللوردات البريطاني - وهي أعلي سلطة قضائية في بريطانيا - بقانونية إيقاف التحقيق في الصفقة.. هكذا قضي الأمر نهائيا وانزوي القانون في ركن قصي غير مرئي.
غريب أمر القانون هذا، كم من الجرائم ترتكب باسمه، وكم من الجناة يفلتون من العقاب بسببه، ولكن يبقي جديرًا بالملاحظة أنه في المرات القليلة التي تم فيها تجاوز القانون في بلاد كسويسرا وبريطانيا فإن ذلك تم علي يد دول عربية.. خبرة برضه!
منقول عن جريدة الدستور