روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «أبطأ عليه خبر عمر رضي الله عنه فكلم امرأة في بطنها شيطان، فقالت: حتى يجيء شيطاني فأسأله، قالت: رأيت عمر متزراً يهنأ (يعني يسم) إبل الصدقة، وقال: لا يراه الشيطان إلا خَرَّ لمنخريه (للملك) بين عينيه، وروح القدس ينطق على لسانه».
ولقد جاءت هذه القصة في أحد كتب العقيدة المشهورة بلفظ: «إن عمر تأخر ذات مرة في سفره، فاشتغل فكر أبي موسى، فقالوا له: إن امرأة من أهل المدينة لها صاحب من الجن، فلو أمرتها أن ترسل صاحبها للبحث عن عمر، ففعل، فذهب الجني، ثم رجع، فقال: إن أمير المؤمنين ليس به بأس، وهو يَسمُ إبل الصدقة في المكان الفلاني».
ثانيًا: التخريج
أخرج هذه القصة الواهية عبد الله بن أحمد في «فضائل الصحابة» ح(304) قال: حدثنا شجاع بن مخلد إملاءً، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عمر بن محمد، عن سالم بن عبد الله، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «أبطأ عليه خبر عمر...» فذكر القصة.
قال أبو عبد الرحمن: حدثنا به شجاع مرتين، مرة عن أبي موسى، ومرة قال: أبطأ على أبي موسى خبر عمر.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في «الهواتف» (165)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (44/89) من طريق يحيى بن يمان به.
ثالثًا: التحقيقهذه القصة واهية بالسقط في الإسناد والطعن في الراوي.
1- السقط في الإسناد:
أ- قال الإمام ابن أبي حاتم في كتابه «المراسيل» (127/291): سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهم- قال أبو زرعة: سالم بن عبد الله بن عمر عن جده عمر بن الخطاب، مرسل. اهـ.
ب- لا توجد رواية لسالم بن عبد الله بن عمر عن أبي موسى الأشعري، كذا في «تهذيب الكمال» للمزي (7/15/2131). اهـ.
قُلْتُ: وبهذا يتبين من الإرسال الإسقاط الذي بالسند.
2- الطعن في الراوي:
يحيى بن يمان العجلي، أورده الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (11/267) ونقل فيه أقوال الأئمة:
أ- قال زكريا الساجي: ضعفه أحمد، وقال: حدث عن الثوري بعجائب.
ب- وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد: ليس بحجة.
جـ- وقال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين ليس بثبت لم يكن يبالي أي شيء حدث، كان يتوهم الحديث، قال وكيع: هذه الأحاديث التي يحدث بها يحيى بن يمان ليست من أحاديث الثوري.
قُلْتُ: لذلك لم يرو الإمام مسلم ليحيى بن يمان العجلي من طريق سفيان الثوري كذا في «تهذيب الكمال» للمزي (20/267/7547).
ولقد بينا ذلك حتى لا يتقول علينا أحد ويقول: إن يحيى بن يمان العجلي روى له مسلم.
نقول له: روى له مسلم، ولكن لم يرو له مسلم من طريق سفيان الثوري، فكما تبين أنه حدث عن الثوري بعجائب وليست من أحاديث الثوري، وقال الآجري عن أبي داود: يخطئ في الأحاديث ويقلبها، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال يعقوب بن شيبة: يحيى بن يمان أحد أصحاب سفيان وهو يخطئ كثيرًا في حديثه.
قُلْتُ: وهذه القصة من طريق يحيى بن اليمان عن سفيان الثوري.
وأورده الإمام الذهبي في «الميزان» (4/416/9661)، ونقل أقوال الأئمة فيه:
أ- قال محمد بن عبد الله بن نُمير: كان سريع الحفظ، سريع النسيان.
ب- ذكره أبو بكر بن عياش فقال: ذاك ذاهب الحديث.
جـ- وقال ابن معين والنسائي: ليس بالقوي.
قُلْتُ: وأورده الإمام ابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» (7/235) (84/2137).
وأخرج عدة أحاديث من منكرات وعجائب يحيى بن اليمان عن سفيان الثوري منها:
أ- «كان السواك من إذن النبي صلى الله عليه وسلم موضع القلم من أذن الكاتب».
ب- «كاد الحسد أن يغلب القدر، وكاد الفقر أن يكون كفرًا».
جـ- «زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه في ألف مقنع فلم يُرَ باكيًا أكثر من يومئذ».
قُلْتُ: وعقب كل حديث من هذه المناكير والعجائب يقول الإمام ابن عدي: «هذا عن الثوري بهذا الإسناد يرويه ابن يمان». اهـ.
ثم ختم ترجمته التي زادت عن أربعين سطرًا فقال: «ولابن يمان عن الثوري غير ما ذكرت وعامة ما يرويه غير محفوظ وابن يمان في نفسه لا يتعمد الكذب إلا أنه يخطئ ويشتبه عليه». اهـ.
قُلْتُ: وأورده الإمام العقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/433/2065)، وقال: «لا يتابع على حديثه». اهـ.
من هذا التحقيق يتبين أن القصة واهية بما فيها من علل: علة السَّقط في السند كما بَيَّنا آنفًا، والعلة الأخرى: الطعن في الراوي يحيى بن اليمان خاصة في روايته عن الثوري، فقد جاء بالعجائب والمنكرات كما تبين من أقوال أئمة الجرح والتعديل.
فليحذر الذين يذهبون إلى امرأة تدعي أن في بطنها شيطانًا يسألونها ويسألون شيطانها عن أمور حياتهم فإن حياتهم ستتحول إلى ضنك، فإذا تعرضوا لسرقة ذهبوا إلى الشيطان يسألونه فأوقع بينهم وبين أقاربهم العداوة والبغضاء حتى كادوا أن يقتتلوا.
قال الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبيِنًا [الإسراء: 53].
فليتمسك الإنسان بالسنة، وليبتعد عن بدعة التعامل مع الجان، فإن النجاة في عقيدة أهل السنة والجماعة، حيث نقل شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- في «مجموع الفتاوى» (4/137) عن الإمام مالك- رحمه الله تعالى- قوله: «السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك».
ثم بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- العلاقة بين عقيدة أهل السنة وسفينة نوح- عليه السلام- فقال: «وهذا حق، فإن سفينة نوح إنما ركبها من صدق المرسلين واتبعهم، وإن من لم يركبها فقد كذب المرسلين، واتباع السنة هو اتباع الرسالة التي جاءت من عند الله فتابعها بمنزلة من ركب مع نوح السفينة باطنًا وظاهرًا، والمتخلف عن اتباع الرسالة بمنزلة المتخلف عن اتباع نوح عليه السلام وركوب السفينة معه». اهـ.
فليحذر المسلم الذهاب إلى أصحاب بدعة التعامل مع الجان، فإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وسيحفظك الله، ولن يضرك شيء.
فقد ثبت في مسند أحمد، وسنن الترمذي، ومستدرك الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: «يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف».
هذا لفظ الإمام الترمذي في السنن (ح2516)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، فلا تغتر بهذه القصص التي تجعل الشياطين يسكنون بطون النساء والأطفال، مثل قصة «الجرو الأسود» التي يتخذها أصحاب بدعة التعامل مع الجان دليلاً لبدعتهم، تلك القصة الواهية التي جاءت عن حماد بن سلمة، عن فرقد السبخي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن امرأة جاءت بابنٍ لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت: يا رسول الله، إن ابني به جنون، وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا، فيخبث علينا، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا، فثَعَّ ثَعَّةٌ- يعني: سَعَلَ- وخرج من جوفه مثل الجرو الأسود، فشفي.
قُلْتُ: أخرج حديث هذه القصة الواهية: أحمد في «المسند» (1/254، 268)، والدارمي (1/11، 12)، وأبو نعيم في «الدلائل» (ح295)، وعلة هذا الحديث فرقد السبخي، وهو منكر الحديث لا يحتج به، فقد أورده الإمام الذهبي في «الميزان» (3/345/6699).
ونقل أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه، فقال الإمام النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال أبو حاتم ليس بالقوي، وقال البخاري في حديثه مناكير، وقال يحيى القطان: ما يعجبني الرواية عنه، وقال حماد بن زيد: سألت أيوب عنه فقال: لم يكن صاحب حديث.
وفي «التهذيب» (8/236) قال يعقوب بن شيبة: رجل ضعيف الحديث جدًا، وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي عنه فحرك يده كأنه لم يرضه، وقال الساجي: كان يحيى بن سعيد يكره الحديث عنه، وقال ابن المديني: ليس بثقة، وقال ابن حبان: كانت فيه غفلة ورداءة حفظ فكان يرفع المراسيل وهو لا يعلم ويسند الموقوف من حيث لا يفهم فبطل الاحتجاج به، وقال الحاكم أبو أحمد: منكر الحديث، وقال ابن سعد: كان ضعيفًا منكر الحديث».
قُلْتُ: هذه هي القصص الواهية المنكرة التي يتخذها من لا دراية له بهذا العلم دليلاً