كما في الأفلام الهندية والمصرية القديمة، قالت ام رهف لابنتها عندما علمت انها ترافق نبيل في الجامعة ومنها واليها: كوني على ثقة يا بنتي أنك ستعانين طول حياتك إذا قرنت مصيرك بمصير هذا الشاب المنتوف.
صحيح ان الضغوط العائلية المستمرة لم تقلل من حب رهف لنبيل لكنها أثرت على اعصابها وزادت من نزقها مما جعلها تنفث غضبها في وجهه من وقت لآخر.
في كل تفصيل صغير من تصرفاته كان نبيل يقول لرهف إنه يحبها، لكنه لم يعبر عن ذلك الحب بالكلمات يوماً، الامر الذي كان يغيظ رهف الى حد بعيد. فعندما كانت تسأله عن مدى حبه لها يحمر وجهه خجلاً ويجف ريقه ولا يقول شيئا! وكان ذلك الصمت يفجر غضبها في وجهه فتشكك بحبه لها. لكنه في كل مرة كان يزداد ارتباكاً ويواجه غضبها بمزيد من الصمت.
تخرج نبيل من كلية الطب بتقدير ممتاز وتقرر ايفاده الى فرنسا للتخصص هناك. قبل اسبوعين من سفره قال نبيل لرهف بكثير من الارتباك وبعد كثير من المعاناة: «أنا لست شاطراً بالكلام، إلا أنني أتمنى أن أعتني بك بقية حياتي، هل تقبلين الزواج بي؟»
المهم، بعد عراقيل عديدة أعلنت خطوبة رهف على نبيل.
تخرجت رهف من كلية الاقتصاد بعد حوالى سنة من سفر نبيل وعثرت على عمل، لكنها ظلت على اتصال دائم معه عبر الرسائل الورقية والالكترونية والمكالمات الهاتفية.
ذات يوم بينما كانت رهف تجتاز الشارع في طريقها إلى العمل صدمتها سيارة مسرعة، فأصيبت بجراح ورضوض عديدة في مختلف انحاء جسمها. استيقظت رهف في المستشفى لتجد امها تبكي فوق رأسها. أرادت رهف ان تهدئ من روع امها الا انها صدمت اذ اكتشفت انها لم تعد قادرة على النطق اذ تقطعت حبالها الصوتية بسبب الصدمة!
تماثلت جميع جراح رهف للشفاء فعادت الى بيتها بعد ان اخبرها الاطباء ان أذية شديدة قد لحقت بحبالها الصوتية مما سيحرمها القدرة على النطق بقية حياتها.
طلبت رهف من أهلها عدم إخبار خطيبها عما جرى لها عندما يتصل بالهاتف، وبعد بضعة أشهر كتبت له رسالة الكترونية طويلة ابلغته فيها بفك خطوبتهما لانها لم تعد قادرة على انتظاره أكثر. ومن يومها لم تعد تقرأ رسائله أو ترد عليها، وبما أن والدها بلغ سن التقاعد فقد قررت ان تنتقل مع اسرتها الى مدينتهم الاصلية البعيدة عن العاصمة.
تعلمت رهف لغة البكم واندمجت في حياتها الجديدة، لكنها ظلت تتتبع اخبار نبيل من خلال احدى قريباته التي تربطها بها صداقة قديمة.
بعد ثلاث سنوات علمت رهف من صديقتها ان نبيل قد عاد من فرنسا، وبعد سنة من عودته علمت انه ينوي الزواج. وذات يوم جاءت قريبة نبيل ومعها بطاقة دعوة منه لرهف لحضور حفل عرسه! بيدين مرتجفتين فتحت رهف مغلف بطاقة الدعوة لتعرف من هي العروس. فذهلت عندما وجدت اسمها مطبوعاً على البطاقة!
ارادت رهف ان تسأل صديقتها عن معنى هذا! وفي تلك اللحظة دخل نبيل. القى عليها التحية بلغة البكم. قال لها: «عقب عودتي علمت بالحادث الذي وقع لك، فامضيت عاماً كاملاً في تعلم لغة الاشارة كي أكون.. صوتك.»