30% منا يبصمون بأصابع اليدين

بأصابع يديك

بقلم/
سليمان جودة

٢٧/ ١/ ٢٠١٠

حين كنت فى فيتنام هذا الأسبوع، تمنيت لو
أننا فى القاهرة نعرف ما يكفى عن هذا البلد، الذى يتمدد على الخريطة
طولياً، جنوب الصين، على شكل حرف «S» فى الإنجليزية، وتحيط به أربع دول:
تايلاند، كمبوديا، لاوس، ماليزيا.. ثم تمتد شواطئه شرقاً، على بحر الصين،
لما يقرب من ٢٥٠٠ كيلو متر، وهو ما يوازى تقريباً شواطئنا على البحرين
الأحمر والمتوسط، شرقاً وشمالاً!.. وسوف يتساءل واحد، ويقول:

ما
شكل العلاقة التى يمكن أن تربط بيننا، وبين بلد تقع عاصمته «هانوى» على
بعد عشرة آلاف كيلو متر من عاصمتنا القاهرة، ويقع فى جنوب شرق آسيا، ونحن
فى شمال أفريقيا، ولا رابط بيننا وبينهم، لا فى اللغة، ولا فى الدين، ولا
حتى فى شكل البنى آدم هنا، ثم شكله هناك؟!وسوف يكون الجواب أن هناك
روابط أقوى من نوع آخر، بيننا وبينهم، وهى الأهم، لأنه يكفى - مثلاً - أن
نعرف أن عدد سكانه فى مثل عدد سكاننا، وأنهم يعانون من تزايد فى السكان
بأكثر من اللازم مثلنا تماماً، وأنهم عازمون على التعامل مع هذه المشكلة
جدياً بطريقتهم الخاصة، وليس بطريقة الصين التى كانت تعتمد على أسلوب
الثواب والعقاب،

ولا حتى بطريقة الهند، التى كانت قد اعتمدت لفترة على
تعقيم الرجال، ثم أقلعت، حين اكتشفت عدم جدواه!وسوف تحتفل مدينة
«هانوى» كعاصمة للبلد، بمرور ألف عام على إنشائها، هذه الأيام، بما يعنى
أن عمرها قريب من عمر القاهرة، التى كانت قد احتفلت بألف عام فى سنة ١٩٦٩.

ولكن..
كل هذا، وغيره، قد يكون مسألة شكلية، ليبقى المضمون الحقيقى، أن فيتنام
التى حاربت الولايات المتحدة لما يقرب من عشر سنوات، ثم هزمتها، فى حرب
شهيرة بينهما امتدت من منتصف الستينيات إلى منتصف السبعينيات تقريباً من
القرن الماضى، تتأهب فى ٢٠١٠، لتكون فى ٢٠٢٠، قوة اقتصادية يشار إليها فى
العالم، كما يحدث الآن مع كوريا الجنوبية، والصين، وماليزيا، وسنغافورة..
وغيرها!

ولابد أن الذين زاروا العاصمة الأمريكية واشنطن، يذكرون
جيداً، أن من بين المزارات التى لا تنسى هناك، لوحة طويلة عريضة من
الجرانيت، فى ميدان واسع، وعليها حفر الأمريكان أسماء ٥٩ ألف أمريكى سقطوا
قتلى فى حربهم ضد الفيتناميين، وهى لاتزال حرباً لا تفارق ذاكرة الطرفين،
وإذا كانت تمثل إلى اليوم «عقدة» لدى كل أمريكى، وفى أعماقه، فهى كانت
ولاتزال رمزاً لصمود فيتنامى يصعب جداً أن يكون له مثيل!وحين تذهب
إلى فيتنام، هذه الأيام، وترى عن قرب، ما استطاعوا أن ينجزوه، فى طريق
الاقتصاد، فسوف تلاحظ بسهولة، أن «الروح» واحدة، سواء كانت قد قاتلت
أمريكا، بكل جبروتها وسطوتها، حتى أرغمتها على الخروج من فيتنام مهزومة،

وسواء كانت قد بدأت طريق الإصلاح الاقتصادى، عام ١٩٨٦، أى معنا تقريباً،
بسكان هم السكان عندنا، من حيث العدد، وبمساحة هى ثلث مساحتنا، فإذا
بصادراتهم تصل إلى ٦٣ مليار دولار، هذا العام، وكانت ١٠ مليارات دولار عام
١٩٩٧، وكنا نحن ٤ مليارات دولار، ونحن الآن ٣٠ ملياراً فقط!

وإذا
كانت البرازيل هى الأولى فى تصدير البن عالمياً، ففيتنام الثانية، وإذا
كانت تايلاند الأولى فى تصدير الأرز، ففيتنام الثانية، وفى مسافة زمنية لا
تكاد تذكر، بما يعطينا مؤشراً دقيقاً عن شكل الطريق الذى عزموا على السعى
فيه، إلى نهايته!وبطبيعة الحال، فإن هذا يستحيل أن ينزل عليهم من
السماء، ولا يمكن أن يأتى من فراغ، وإنما يأتى لأن نسبة الأمية عندهم ٣٪
فى هذه اللحظة، بينما نحن لايزال ٣٠٪ منا يبصمون بأصابع اليدين، إذا
أرادوا أن يضعوا توقيعهم على ورقة!

30% منا يبصمون بأصابع اليدين 78725687id4

30% منا يبصمون بأصابع اليدين 78725687id4