[size=16][1] بأن الأحزاب العلمانية
تجد صعوبة حتى في تحديد هويتها الخاصة بوضوح،
ويقول "دونالد سترومبرج" :
"والحق أن كلمة الليبرالية مصطلح عريض وغامض، شأنه
في ذلك شأن مصطلح الرومانسية، ولا يزال حتى يومنا هذا على حالة من الغموض
والإبهام".
وتقول الموسوعة البريطانية:
"ونادرا ما توجد حركة ليبرالية لم يصبها الغموض، بل إن بعضها تنهار بسببه"،
وإذا ذكر اسم " الليبرالية " فإنه – كما يقول رسل - :
تسمية أقرب إلى الغموض،
يستطيع المرء أن يدرك في ثناياها عددا من السمات المتميزة".
ويؤكد حمزاوي
"غياب الهوية الواضحة عن مجمل الأحزاب العلمانية"،
فإذا كانت الأحزاب العلمانية والليبرالية لا تعرف هويتها فإلام تدعو الناس؟.
2- إلى من تحتكم الليبرالية ؟
نحن المسلمون على اختلاف أطيافنا
(إخوان، سلفيون، صوفية)،
لنا مرجعية نحتكم إليها عند الخلاف وهي القرآن والسنة، ولكن إلى أية مرجعية تحتكم الليبرالية أو العلمانية،
يقول حمزاوي:
"أما تعبير "الليبرالية، فهو تعبير خادع:
فهل يعنى ذلك الليبرالية بالمفهوم الأوروبي أم الأمريكي؟ أم أنه يعنى
إحياء التقاليد الليبرالية في السياسة العربية التي ازدهرت في مصر والمشرق
العربي من عشرينيات إلى أربعينيات القرن الماضي؟".
ولا يقول أحد أن مرجعية الليبرالية هي العقل البشري،
وذلك لأن "الليبرالية فكرةٌ ليست من صنع
عَقلٍ بشري واحد، ولا وليدةَ بيئةٍ ثقَافيةٍ أو ظروفٍ زمَنيةٍ واحدة، فقد
تعددت تعريفاتها بعد أن استقرت فلسفةً فكرية غربية وضعية، تنزع إلى
المادية والفردية والتحرر من كل قيدٍ أو ثابت، إلا ثابت عدم الثَّبات"،
فالليبرالية لا مرجعية لها ولا ثوابت.
3- هل المجتمع المصري في حاجة لليبرالية؟
في تدشينه للحزب الليبرالي الجديد
والمسمي الحزب الديمقراطي الاجتماعي، قال الدكتور محمد أبو الغار إن
الحزب سوف يهتم بالعدالة الاجتماعية بالمخالفة لأحد مبادئ الليبرالية التي
تنص على الحرية المطلقة في الاقتصاد والملكية، وبرر أبو الغار هذا
الموقف بكون أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية لمصر تقتضى ذلك.
ولنا أن نسأل:
إذا كان مؤسسي الحزب الليبرالي
يرون أن فكر الليبرالية الاقتصادي لا يناسب طبيعة المجتمع المصري، فلماذا إذا الدعوة لليبرالية؟.
4- هل يؤيد المصريون الليبرالية ؟
يقول حمزاوي:
"ينبغي القول إن الأحزاب العلمانية تتحرك في
سياق مجتمعي طارد، فعدد كبير من المجتمعات العربية، التي كانت دائما
مجتمعات محافظة في سلوكها الديني والاجتماعي، قد ازدادت غلوا في التمسك
بهذا السلوك خلال العقود الماضية، وهذا ما قلص الحيز المتاح للتعبير عن
الأفكار العلمانية في الخطاب السياسي".
5- ما موقف الليبرالية من الثقافة والقيم الإسلامية ؟
ونجيب على هذا فنقول
أنه رغم محاولات الليبراليين من التخفيف من حدة مخالفة الليبرالية للثقافة والقيم الإسلامية، فإن كثير من المستشرقين يرون ويؤكدون على وجود تناقض أساسي بين الليبرالية والثقافة العربية الإسلامية
(Bernard Lewis, 1973' Patai, 1969)
ويقول حمزاوي:
"إن مصطلح "الأحزاب العلمانية";
لا يلقى قبولا عند معظم هذه الأحزاب وذلك خشية من انطوائه على رفض ضمني للثقافة الإسلامية".
ومع هذا فكثير من المثقفين العرب أيضاً ناصر الليبرالية دون قيد أو شرط.
6- هل الليبراليون ديمقراطيون حقًا ؟
يقول حمزاوي ردًا على هذا:
"لا يوجد في الحقيقة معيار يثبت أن الأحزاب العلمانية أكثر التزاما بالديمقراطية من سواها من القوى الموجودة".
7- ماذا كان موقف الليبراليون من النظام السابق ؟
يقول حمزاوي:
"تتطلع الكثير من الأحزاب العلمانية إلى الحكومات لتقدم لها الحماية ضد المد الإسلامي".
8- هل لليبرالية شعبية ؟
يقول حمزاوي:
هذه الأحزاب العلمانية تساهم أيضا في ضعفها.
فعلى الرغم من الحدود الهيكلية للنظام السياسي المصري، فإنه يظل هناك حيز
للعمل، وبعض فرص المنافسة التي لم تستغل من قبل الأحزاب العلمانية.
والحقيقة أن المقارنة بين هذه الأحزاب، وبين الأحزاب الأخرى المحظورة،
كحزب الإخوان المسلمين المقموع بشدة، تكشف بسرعة أن الأحزاب العلمانية لم
تنجز الكثير في سبيل بناء وتنظيم مؤسساتها، ولا فى سبيل توسيع تواصلها مع
القواعد الشعبية عبر ابتكار برامج انتخابية مقنعة.
9- ما موقف الليبرالية من الدين ؟
يؤمن المسلمون بأن الدين جاء شاملاً للحياة كلها
(سياسة واقتصاد وثقافة واجتماع)
وبأنه موحي به من الله فيجب أن يكون هو المرجعية العليا للأمة، أما في
الغرب فالدين لا يعدو عندهم سوى أنه مكون من مكونات الثقافة ..
فالدين في النظرة الغربية،
لا معايير ولا مقاييس لتحديد حقائقه، بل هو مثل مسائل الآداب والفن مسألة
"ذوق"، لا تقوم على منهج علمي محدَّد، أو معايير منضبطة، وعلى هذا فلا
يلزم، بل لا يقبل، أن يكون الدين حاكمًا على حياة البشر، فما موقف
الليبرالية من الدين؟.
ويتبين موقف الليبرالية من الدين من خلال النقاط الآتية:
- أحمد لطفي السيد
الذي يعد أول من تكلم بصراحة عن الليبرالية استبعد الإسلام كتشريع
وكمرجعية من مشروعه الفكري، وأخذ به كجانب خُلقي وكمرحلة تاريخية من مراحل
تكوين الشخصية المصرية.
- ويقول الدكتور أحمد زايد أستاذ الاجتماع بجامعة القاهرة، إن موقع الدين في الدولة المدنية عنصر أساسي، لكنه في العلاقات الشخصية وليس في الحكم.
وهكذا يتضح لنا أن لليبرالية موقفًا إقصائيًا من الدين.
10- ما موقف الليبرالية من فكرة النسبية ؟
تتأسس الليبرالية على مبدأ النسبية
ورفض الإيمان بالمطلق، والنسبية مبدأ ظاهره الرحمة
وباطنه العذاب، فالنسبية - بشكلٍ عام - هي مبدأ فلسفي يرى أنَّ كلَّ
وجهاتِ النظر صحيحةٌ شرعيةٌ متساوية، وأنَّ كل الحقائق نسبيةً إلى الفرد،
وهذا يعني أن كلَّ الأوضاعِ الأخلاقية، والأنظمةِ الدينية، والأشكال
الأدبية، والحركاتِ السياسية؛ حقائقٌ نسبية للفرد، بمعنى آخر وأكثر وضوحًا
فإن القيم الأخلاقية والمبادئ الدينية خاضعة للتغيير إذا ما رغب المجتمع
يومًا في ذلك.
إن مبدأ النسبية لا يبقي على ثابت من ثوابت الأمة
فالزنا إن كان محرمًا على اليوم، فالمانع من إباحته غدًا إذا رأى الشعب
ذلك، إن الفارق بين الدولة في الإسلام والدولة في غيرها، أن الدولة في
الإسلام تعمل على صيانة وحفظ قيم ومبادئ الأمة، أما الدولة الغربية وغيرها
فلا تهتم بهذا الأمر وغايتها احترام القانون المتفق عليه من الشعب، فإذا
أراد الشعب تغييره فلا تمانع ذلك حتى ولو عارض مبدأ دينيًا.
إن مبدأ النسبية من أخطر المبادئ
التي تنادي بها الليبرالية، وإننا نؤمن بلا
شك بالتغيرات في حياة الأمم والمجتمعات ولكننا نؤمن مع ذلك بالثوابت
والمبادئ التي لا يجوز لنا تغييرها، إننا نؤمن بأن الإسلام الذي أخرج العرب
من جاهليتهم وجعلوا يصنعون حضارة بلغت أوجهها يوم كانت أوروبا غارقة في
ظلماتها، نؤمن بأن هذا الإسلام جاء ملائمًا وسيظل ملائمًا وصالحًا
للبشرية في كل زمان ومكان.
يتبع