الكرة فى مصر نسخة من مصر
هل تريد نموذجا مصغرا يضم أمثلة متنوعة لشكل الحياة فى مصر بمختلف جوانبها الاجتماعية والثقافية والسياسية؟
إذن فلتنظر إلى مباريات كرة القدم التى تشغل حيزا كبيرا من حياتنا، ستجد الكرة فى مصر نسخة من مصر نفسها..
- تفتقد الفرق عندنا فكرة اللمسة النهائية، يبذل الفريق جهدا لكن مجهوده
يصبح بلا معنى بلا فائدة مع الاقتراب من مرمى الخصم، فلا بد من قدم طائشة
أو استعجال أو استهتار أو غرور أو استهبال أو إخلاص غائب. افتقاد اللمسة
النهائية يمكن ملاحظته فى مصر بوضوح بداية من شغل النقاشين والجراحين،
ومرورا بالمنتجات الصناعية، نهاية برصف الطرق.
- من يهاجمون
التوريث لا يعرفون أنه مبدأ أصيل فى حياتنا، يمكنك ملاحظته فى محلات
العطارة ولافتات عيادات الأطباء، لكن فى ملاعب الكرة التطبيق الأكبر له،
فهناك على سبيل المثال لا الحصر ابن حمادة إمام، وابن إكرامى، وابن مشير
عثمان، وابن شديد قناوى، وابن إينو.
- المجاملات التى يشكو
اللاعبون الموهوبون منها أحيانا والتى تضعهم على دكة الاحتياطى لمصلحة
آخرين نصف موهوبين هى أحد تجليات فكرة المجاملات التى يشكو منها أصحاب الحق
فى أماكن كثيرة فى مصر، وأشهرهم أصحاب الحق فى التعيين كمعيدين أو مدرسين
فى الجامعات المصرية.
- النظرية الأمنية المطبقة فى التعامل مع
التجمعات السلمية فى مصر هى نفسها المطبقة فى الملاعب، فالأمن موجود فى
الاستاد، لا ليحمى الجماهير، لكن ليحمى «الناس اللى بتلعب» من الجماهير!
- باب الاحتراف الذى تم فتحه أمام اللاعبين المصريين مؤخرا للانتقال هو
شقيق هامش الحرية الذى تم منحه للصحافة المصرية. هو احتراف الملمح الرئيسى
فيه الأرقام التى يحصل عليها اللاعبون والأندية دون أن نرى فى النهاية كرة
قدم حقيقية، وهو هامش حرية الملمح الرئيسى فيه حرية كشف عيوب ومخالفات
المسؤولين دون أن نرى شيئا يتغير.
- أن يستمر مدرب فى موقعه رغم
الهزائم المتتالية ورغم تراجع مستوى فريقه هو أسلوب تتعامل به الحكومة مع
الوزير الذى تتبع الصحف إخفاقاته يوميا فى كل مكان.
- ضعف اللياقة
البدنية تلك الصفة المميزة للاعب المصرى، هى جزء من اللياقة البدنية
المهترئة لشعب بالكامل، فشبابه يستخدمون الفياجرا قبل بداية الثلاثينيات،
ورجاله معظمهم مصاب بالضغط أو السكر أو القولون العصبى، ويصاب معظمهم
بأزمات قلبية مع بداية الأربعينيات. شعب يعيش فى تلوث فاحش.. هاتيجى له
اللياقة من فين؟
- يحلم معظم اللاعبين المصريين بالهجرة
والاحتراف، وهدفهم ليس دائما هو حب الكرة، بل الهدف فى معظم الأحيان ترك
البلد وخلاص، حتى إذا كانت الهجرة للعب فى ناد درجة ثانية فى سويسرا أو
تركيا أو الصين أو إنجلترا، مثلهم مثل معظم الشباب المصرى الذى يحلم
بالهجرة حتى لو كانت غير شرعية وغير مضمونة.
- المشجع الذى ينزل
إلى أرض الملعب ويقوم بهز شباك المرمى اعتقادا منه بأنه يفك نحس فريقه بهذه
الحركة باعتبار أن العيب فى الشبكة، هو شقيق الرجل الذى ذهب بأمواله إلى
أحد الدجالين لكى يقوم الجن بمهمة مضاعفتها باعتبار أن الجن هو المسؤول عن
الرزق.
- فكرة التمثيل المشرف التى تعطى بعدا جماليا لهزائم بعض
الفرق، ويحاول المسؤولون من خلالها أن يجعلوا الجماهير يرون جانبا مشرقا فى
المسألة.. هى copy وpaste من مانشيتات الصحف القومية التى تحاول تحسين
الصورة بالعافية، مثل مانشيت قرأته مؤخرا يقول «مصر تحتل المرتبة الثانية
دوليا فى تصدير الخرشوف».
- يقدس المصريون شخصا ما، ثم يحولونه
إلى صنم يعبدونه، ثم يبدؤون فى رشقه بالحجارة، وما أن يتهدم حتى يعلنون
افتقادهم له، وأنه «ولا يوم من أيامه»، وهو سيناريو مصرى أصيل تكرر خارج
الملعب مع كثيرين أشهرهم عبد الناصر، وداخل الملعب مع كثيرين أشهرهم محمود
الجوهرى.
- هناك دائما مبررات لكل شىء عند الهزيمة، مثل مستوى
التحكيم أو سوء أرضية الملعب، أو الهواء الذى كان ضد الفريق فى الشوطين.
ألا تذكركم هذه المبررات بجمل مثل «زيادة أعداد الخريجين» التى تبرر بها
البطالة أو «عشق الفلاحين للألعاب النارية» التى تبرر بها السحابة السوداء
أو «مصر مستهدفة» التى يبرر بها قانون الطوارئ.
- اللعيبة التى
تدعى الإصابة حتى تتهرب من المشاركة فى بعض المباريات هى ابنة المجتمع الذى
يدعى بعض موظفيه المرض ليزوغوا من الشغل، ويدعى بعض أطفاله أن معدتهم
تؤلمهم حتى لا يذهبون إلى المدرسة.
- اللعيبة طويلة اللسان فى أرض
الملعب لإرهاب الخصم أو الحكم هى ابنة مجتمع الكلمة العليا فى شوارعه
لسائقى الميكروباصات وأمناء الشرطة.
- مبدأ الاستعانة بحكام أجانب
هربا من تحمل المسؤولية كان التطبيق الأشهر له الاستعانة بشركة أجنبية
لتنظيف شوارع القاهرة، أما إذا كان الأمر ليس هروبا من المسؤولية فى
الحالتين، فلا مبرر له سوى عقدة النقص.
- مبدأ الحفاظ على الهدف، الذى غالبا ما يقود الفريق إلى خسارة الماتش، يذكرنى بشعار الحفاظ على الاستقرار.. والباقى معروف طبعا.
- البطء الذى يميز إيقاع اللعبة عندنا هو نسخة من بطء يميز بلد بالكامل،
ويمكن ملاحظته فى كل الطرق التى يطلق عليها مجازا «طرق سريعة»، وهو سمة
مميزة لتفاصيل كثيرة منها الإجراءات الحكومية، وإجراءات التقاضى، وعمليات
إصلاح المحور، وكوبرى أكتوبر.
- الشعب الذى يذهب معظم أبنائه إلى
صلاة الجمعة متأخرين حتى لا يحضرون الخطبة، وإذا اقتربوا من المسجد
«والخطبة لسه شغالة» يتباطؤون أو قد يقفون أمام الجامع يعبثون فى
موبايلاتهم، هذا الشعب طبيعى أنه مايعرفش ربنا غير فى ضربات الجزاء.
- الاهتمام بالأندية الكبيرة فقط، مثل الأهلى والزمالك، وعمل حساب لهما
ولمصالحهما طوال الوقت على حساب بقية الأندية الغلبانة أمر يشبه عملية
الإصلاح التى تقوم بها الدولة، ولا يستفيد منها سوى الصفوة.
-
هناك قاعدة شهيرة فى الملاعب، وهى «مابنتحركش غير لما ييجى فينا جون»، كذلك
الحكومة فهى لا تتحرك إلا بعد حدوث الكارثة، مثلما تقوم بإنشاء كوبرى مشاه
فوق طريق سريع بعد وقوع مئات الضحايا من عابرى هذا الطريق.
- حتى عندما يكون الجو جميلا ومشرقا فى بلادنا فهو «جو كورة».
(من كتاب «رصف مصر» 2009)
عمر طاهر